مدونة التراث أكادير : افتتاح الموقع الرسمي انتظروا منا الأفظل والأجمل والأرقى إنشاء الله www.igoudar-ibnouzohr.ma(مع تحياتي المشرف العام عبد الغني أيت الفقير)

راديو إيكودار24ساعة 7 أيام

راديو إيكودار()() تحية طيبة لكل متتبعي راديو إيكودار الأربعاء 06 نونبر2013 سنة هجرية سعيدة وتحية طيبة من الطاقم التقني لراديو إيكودار

الخميس، 23 فبراير 2012

قراءة في كتاب 'فنون وتاريخ المسلمين في الاندلس' للباحث محمود يوسف خضر


قراءة في كتاب 'فنون وتاريخ المسلمين في الاندلس' للباحث محمود يوسف خضر:
صلاح حيثاني 






         الكتابة كفعل استعاديّ مركّب: لا ريب من أن وضع كتابٍ في بابٍ ما، يعدّ ضرباً من خلق حالةٍ ثقافية تدفع موضوع البحث ليكون قادراً على التواصل مع ذاكرته، خصوصاً إذا كان الكتاب يتناول موضوعا أو حضارة لم تعد قائمة في ذات المجال الجغرافي وما يتبع ذلك بالضرورة من فعاليات اجتماعية واقتصادية وثقافية ولاهوتية.
ويكون الأمر أكثر مشقةً عندما يتحوّل البحث إلى فعلٍ إستعاديّ تكمن معادلات نجاحه في القدرة على القبض على شواردها هنا وهناك.
فنحن هنا أما حالةٍ مختلفةٍ قد لا تتكرر بسهولة، ولا يمكن تناولها إلا من خلال عملٍ بحثيّ تقود مقدماته إلى نتائج تخضع للترجيح في أحيانٍ ليست قليلة، وهنا يبرز دور الباحث المجدد الذي يتعامل مع أفكارٍ أنتجتها حضارة ثم بادت لتقوم على أنقاضها حضارة أخرى كان عليها لتشرعن مكوثها أن تقضي على كل ما سبق وأن أنتجته الحضارة السابقة.
فالأندلس التي دخلها المسلمون بقيادة طارق بن زياد عام 712 م وبدعم وتسهيل من حاكم سبتة ومكثوا فيها نحو ثمانية قرون ولم يخرجوا منها إلا على أيام ابو عبد الله الصغير آخر ملوك العرب عام 1492م، لم تعد حاضنة للعرب بعد زوال دولتهم إذ تم في البداية تنصيرهم ثم صار الأمر بترحيلهم نهائيا بعد قرابة 130 سنة على سقوطها بعد صدور أمر فيليب الثالث على الرغم من تأكيدهم على نصرانيتهم، وبدأ وجودهم يشحب وينحسر حتى زال كعامل قوّة وتأثير سواء كنسيج سكّاني أو كتأثيرٍ لاهوتيّ ومجتمعيّ إلى حدٍّ ما.
وبهذا لا يعود في وسع الباحث سوى التنقيب والحفر على المعلومة من مصادر شتى وموازنتها وترجيحها في نهاية الأمر.
يمكننا أن نلمس حجم المفارقة في محاولة وضع مؤلف عن حضارة تشظّت خارج مجالها وانفرطت منذ ما يزيد على القرون الخمسة وتعرّضت طائفة كبيرة من شواهدها إلى مختلف أفعال الإزالة وتغيير الهوية والإتلاف والنهب.
ولكن لا يخلو الأمر في ذات الوقت من المتعة لأن الباحث المدقّق سيجد نفسه أمام رهان شاق يتطلّب جهدا حفريٍّا واسعا يمثّل تحديّاً لملكاته وقدراته.
وهذا تحديداً ما تدفعنا إليه انشغالات الباحث الفلسطيني محمود يوسف خضر، الذي تعقّب ببراعة وتوسّع كبيرين فنون وتاريخ العرب في الأندلس.
فلقد اجتهد في دفع رهانه إلى آفاق أوسع بتناوله حضارة المسلمين في الأندلس من خلال فنونها، ولكن من غير أن يعزلها عن تاريخها لأنه الرحم الذي نضّج هذه الفنون وتمازجت فيه قبل أن نعرفها بالشكل الذي صارت عليه.

جغرافيات فنيّة
صدر الكتاب بالقطع الكبير عن دار السويدي للنشر في أبو ظبي عام 2011 ، وسبق للباحث أن أنجز كتاباً موسوعيا جامعا تناول فيه تاريخ الفنون الإسلامية اصدرته ذات الدار ونال عليه جائزة الكويت للتقدم العلمي عام 2003 ، وأجد أن هذا الكتاب يمثّل معادلاً موضوعيا لكتابه الأول من أجل تكميل المشهد وتوسعة آفاقه على النحو الذي يجعل مشهد الفنون الإسلامية واضحا ومتاحاً أمام الباحثين والمعنيين في شتى عصورها وجغرافياتها.
اشتمل كتابه الأول (تاريخ الفنون الإسلامية) على ظهور الإسلام في بيئةٍ متقشّفةٍ وامتداده خارج الجزيرة العربية وانفتاحه على ثقافات شعوبٍ وأممٍ عريقة كان لها حضور تاريخي واستقرار منحها القدرة على انتاج عوامل إدامة الحياة، ومن ثم انصهارها في نسيج واحد مع هذه الأمم وثقافاتها مما أنتج فنونا بدأت تتشكل في ملامح مشتركة غالبا أفرزت ما صار يُطلق عليها بالفنون الإسلامية.
وكما هي عادة الباحث المدقّق بدأ كتابه بتمهيد تاريخيّ أعقبته اربعة فصول تناول فيها الفن في مختلف العصور الإسلامية بدأها بالأموي فالعباسي وانتهى بالعصرين الايوبي والمملوكي واجتهد في خلق مقاربات مختلفة، وخصوصا في مصر التي جعلها نموذجا ميدانيا وبحثيا.
لا شكّ أن هذا الجانب من التأليف الموسوعيّ يعتبر إشكاليّا وشاقا لأنه يخضع في جوانب منه إلى ملكات الباحث وقدرته على الوصول إلى المعلومة وتقديمها بطريقة مشرقة للمتلقّي.

أما الكتاب موضوع المطالعة فلقد بدأه الباحث بما درج عليه في مؤلفاته السابقة بتمهيد، تناول فيه الالتباس الذي أثير على المستوى الإصطلاحيّ في شأن الحرب التي نشبت بين المسلمين والمسيحيين القوط في أسبانيا، فلقد تجاذبها أمران، أولها اقتصادي يتمثّل في محاولة امتلاك أحد طرفي الصراع ثروات الطرف الآخر، والأمر الآخر يمكن الإشارة إليه في المحرّك الذي تدفعه وتفعّله عوامل دينية من أجل نشر الدين الإسلامي خصوصا وإن طرفي النزاع كانا ينتميان إلى ديانات تبشيرية.
وينتهي إلى تأكيد أن جوهر الصراع لم يكن دينيا محضاً إلا في جانبٍ صوريّ يتمثّل في محاولة إخفاء حقيقة أن الصراع كانت دوافعه في الأصل السلطة والثروة، ويسرد في متن الكتاب حوادث تؤيد ما ذهب إليه، كما في أمر المنصور ابن ابي عامر بضرب عنق ابنه عبد الله بالسيف عند غروب شمس الاربعاء الموافق 14 جمادى الاخرة عام 380هـ ودفنه في موضع قتله، وكان في الثالثة والعشرين من عمره. أو تحالف ابن الاحمر مع الملك فرديناند ضد مسلمي اشبيلية حتى سقطت كحبة الرمان في حجر ملك قشتالة النصراني عام 1248م، وبماذا نفسر تحالف عبد الله الصغير ضد أبيه مولاي أبي الحسن مرة وضد عمه مولاي الزغل مرة اخرى ؟.
ثم يتساءل عن جدوى الحديث عن الإندلس كفردوس مفقود وضرورة الاستفادة من المعرفة وتوظيفها في صنع مستقبل أكثر إشراقاً.
ثمّ يورد أولى الإشارات التي نضّجت فكرة فصل الدين عن الدولة وجعله يتراجع إلى الأديرة والكنائس، وتلك كانت بداية قيام ديمقراطية المؤسسات في الغرب التي أفرزت بعد سنوات قليلة ما صار يُعرف بعصر التنوير ورموزه التي تركت تأثيرا واسعا في زمنها والأزمنة اللاحقة، وكان بعض هؤلاء من أسبانيا ذاتها أو أصول تعود إلى شبه الجزيرة الإيبيرية، كما في بندكتوس سبينوزا الذي هجر جدّه إقليم الأندلس إلى هولندا تمثيلا للحالة.
ثم يتحدّث في صيغةٍ متسائلةٍ عن اغفال الغرب لدور الاندلس المسلمة في النهضة الأوروبية والإصرار على إرجاع حضارة اوروبا وثقافتها الى الأصول الإغريقية دون وساطة من العرب، وهي ادعاءات يعتورها السخف ويشوبها عدم الدقة. فالحقيقة كانت على الدوام شاخصة لمن يمتلك القوة والدافع على ابصارها.
ثم يورد في المقدمة والمتن الأسباب التي جعلت من يوليان حاكم سبتة يتحالف مع موسى ابن النصير عندما اجتمع به على سفينة راسية في المضيق، وكان كل منهما يضمر في نفسه أمرا، فيوليان كان يريد إسقاط دولة القوط والدخول إلى أسبانيا ملكا متوجا، وبالمقابل سيمنح سبتة وما يتبعها ثمنا للعرب على نصرهم إياه، أما ابن النصير فكان يريد أسبانيا وأخفى رغبته عن ملك سبتة بعدما رأى تفكك مملكة القوط وخصب أراضيها وعظيم ثرواتها.
وينتهي إلى تأكيد أن التاريخ ليس قصصا وروايات تروى عن ثقاة، وإنما أحداث وقعت وأخرى مشكوك في صدقية حدوثها، وينبغي وضعها في ميزان المنطق والعقل. فما كان يتماشى مع العقل قبلناه وما كان لا يستقيم مع المنطق اهملناه، فالخرافات والأساطير ليس مجالها كتب التاريخ ومدوناته، ففي عصور الانحطاط والتفكك يختلط الراوي مع الرواية، والعلمي مع الغيبي، ويعلو شأن الجهلة وسفلة القوم وتروج قصصهم ويكون الناس مدفوعين الى تصديقها لافتقادهم الجانب الآخر من الرواية.
ثم يشير بلغة متينة وسهلة ممتنعة إلى ضرورة دراسة التاريخ وفهمه من خلال الحقيقة ولأجلها لنتمكن من التغيير.
فالتاريخ هو الدرب الى المستقبل، والانتقال من التفكير الخرافي الى التفكير العلمي ونشر الثقافة العلمية أصبحا ضرورة ملحة في ظل الانحطاط والتدهور في الحالة العربية الآيلة للسقوط على يد الجهلة المتنفذين والفقهاء المتحجرين.

تاريخ وفنون الأندلس
تناول البحث فنون المسلمين وتاريخهم منذ دخولهم الأندلس وتمرحلهم فيها كدويلات ومدن حتى سقوط الخلافة الأموية فيها بفقدانهم آخر معاقلهم بعد أن لم يعد مشهد الدولة الإسلامي يمنح دوافع كافية لإدامة وجوده في فردوسهم الإيبيريّ.
قسّم الباحث كتابه إلى ثلاثة أبواب بدأها بعصر الولاة ثم عصر الإمارة وأنهاه بعصر الخلافة، وينقسم كلّ باب من هذه الأبواب إلى فصول عدّة.

عصر الولاة
ويبدأ بعد عودة ابن نصير إلى الشام بعد أن أناب عنه في حكم الأندلس ابنه عبد العزيز، فصار بذلك أوّل ولاتها، واستمر هذا العصر قائما منذ عام 713م وحتى عام 755م وهو العام الذي دخل فيه عبد الرحمن بن معاوية (الداخل) الأندلس، وعلى قصر الفترة حكم الأندلس 21 واليا.

وكان من أسباب ذلك أن تراجعت إقتصاديات الدولة وانعكس ذلك جليّا على فنونها فلم تعرف إلا ما وردنا من أخبار المسجدين اللذين أنشأهما حنش الصنعاني وهو تابعيّ انتقل إلى مصر فأقام بها. وغزا المغرب مع رويفع بن ثابت، والاندلس
مع موسى بن نصير. وهو أول من ولي عشور إفريقية. وابتنى جامع سرقسطة بالاندلس، وأسس جامع قرطبة وتوفي بسرقسطة.
كانت الصناعة الوحيدة التي ظهرت على ايام الولاة هي سك النقود لتأكيد السلطة، فكان إصدار العملة يشتمل اعترافا ضمنيا بتولي الحكم، وقد حرص ولاة الأندلس جميعا علي إصدار العملات باسمائهم، وكان سكّ النقد في بداياته بالكتابة اللاتينية قبل أن يتمّ تعريب ضرب النقود على نحو كامل منذ عام 720م.
عصر الإمارة
بدأ بدخول عبد الرحمن بن معاوية الداخل في 13 من مايو 756 م وأعقبه ابنه هشام بعد أن وطّد له الدولة من خلال إخماد الفتن والثورات وخصوصا تلك التي كان ينهض بها البربر. كما فرّغ نفسه لمجابهة خطر الدعوة العباسية بعد أن قوّضت أركان الحكم الأموي وأزالته في عام 132هـ، وعُرف عن هشام بن عبد الرحمن حبّه للبناء والعمران فتم على ايامه بناء المسجد الجامع في قرطبة بعد أن كان أبوه شرع بإنشائه، واقام سواه العديد من المساجد وعني بتخطيط المدينة وتوسعتها وتجميلها بالأبنية والحدائق والعيون.
وبذات الهمة شرع عبد الرحمن الثاني في إنشاء دار للطراز لإنتاج المنسوجات وأخرى لسك العملة في قرطبة وجاء من بغداد بالسجاجيد والأكسية، كما أدخل على الجامع الكبير بقرطبة إضافات وفيرة فقام بتنظيم سقائف النساء. و أنشأ مسجد تطيلة الذي حوّل لاحقاً الى كاتدرائية.
كما اهتمّ الأمراء الذين تعاقبوا على الأندلس بإقامة الحصون والقناطر الذي بوسعنا التعرّف على طرزها من خلال قنطرة قرطبة التي ما زالت شاخصة للعيان. ولقد اقامها في الأصل الإمبراطور الروماني أوغسطس ولكنها تعرّضت للخراب نتيجة التقادم فجددها المسلمون.

عصر الخلافة
ويمتد هذا العصر نحو قرنٍ من الزمان بين عامي 929م إلى 1031 م وفيه بلغت قرطبة الغاية في عمرانها وكانت أكثر مدن أوروبا سكاناً وصارت مهدا لعلوم العصر ومعارفه ومركزاً مرموقا لانتاج الفن والأدب والصناعات على أنواعها. وذكر بعض المؤرخين العرب أنه كان يوجد بقرطبة نحو 3000 مسجد لم يبق منها سوى ثلاث مآذن هي اليوم أبراج كنائس سان خوان وسانتا كلارا و سانت ياغو .
وفي ايام حكم الناصر لدين الله وكان قد بلغ ما أراد من توطيد ملكه، ساورته الرغبة في أن يُظهر مبلغ رفعته ومكانته فأقام مدينة الزهراء على مقربةٍ من قرطبة وحشد لها الحرفيين المهرة في شتى الصناعات وجلب إليها أفخر الرخام وأنشأ فيها حديقة حيوانات ودارا لصنع السلاح وأخرى للحلي والمصوغات وبقيت عامرة طوال حكم الناصر وولده الحكم، ثمّ أصبحت بعد ذلك أثرا بعد عين.

الأندلس كحالةٍ فنيّة
عندما نتحدث عن الفنون الإسلامية فإننا نعني بذلك نسيجا تاما ومتكاملا يقود إلى بعضه من عمارة مساجد وحمامات وربط وحصون وحدائق وإنشاء قناطر وقنوات وعيون ونوافير وفسيفساء أو تحديث الكثير من القنوات والبنى التي ورثوها عن الرومان، كما يشمل ذلك الفنون الزخرفية او تجويد الخط العربي واستحداث عناصر جديدة أو تطوير تلك التي كانت شائعة قبل مجيئهم، أما الخامات التي كانت وراء ذلك كله فيمكننا إجمالها في الآجر (اللبن المفخور) والرخام والمرمـر والجـبـس الزخـرفـي والخشب.
لقد بذل الباحث محمود يوسف خضر جهدا مضنيا وكبيرا على امتداد أعوام ليتسنى له جمع المادة والمستوى البصري الذي تقتضيه، كما اعتمد على مصادر جمّة يمكننا تلمّس مدى ما أضافته من نوعية للكتاب من خلال تهميشاته وتعقيباته وحواشيه التي بلغت 475، لتمنح الكتاب أفقا آخر عمل على تعزيز ترجيحاته وتعميق طروحاته.
أما المستوى البصري فكان فريدا وأخّاذا ولم يكن ذلك سهلا بحال، فلقد اجتهد في تجميعه بالرجوع إلى عشرات المصادر ليتمكن من جعله يتحرك في ذات المساحة البحثية، فلا تكاد تجد شيئا أو توصيفا أو محاولة للإشارة إلى حادثة ما أو تفصيلٍ فنيّ إلا وأرفق صورة أو تمثيلا لما يذهب إليه.
       
إن العمل بالصورة التي نراه عليها يُعدّ إضافة جوهرية للمكتبة العربية التي تفتقر إلى دراسات مماثلة تتناول الحالة الأندلسية برمتها في كتاب واحد وبلغة يجد فيها الباحث والدارس والمتلقي العادي ضالته.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Powered by Blogger