بقلم الاستاذ/ ناصر رحيل
ان دراسة التاريخ منهج ورؤية بعيدة تلخّصها في النهاية وثائق وأسانيد تضم في سطورها حقائق وتكشف عن أمور وموضوعات تتجدد مع البحث العلمي على الدوام ، وتفتح أمام العيون أبواباً للاجتهاد والدراسة والتحليل وفقاً للظروف والعوامل التاريخية التي إستوجبتها تلك الوثائق في مرحلة زمنيـة معينـة . إن الوثائق ، إذا ما توافرت وأتيح لها الظهور ، تظل مصدراً حقيقياً لكتابة التاريخ والبحث فيه ، فلا تاريخ بلا وثائق ومن دون شواهد أو أدلة مؤكدة .منذ زمن ليس بالبعيد ، وحتى الآن ، ومع نشوء المدارس التاريخية الحديثة وتطورها لم يعد التاريخ حكايات وقصص تروي ، أو أساطير خارقة ، أو مواقف ساخرة يتندر بها .. التاريخ صار ذاكرة حية للشعوب ومادة علمية غزيرة تحتاج في التعامل معها إلى أمانة متناهية لا يتقنها سوى المؤرخين والباحثين المخلصين ، يكاد يرددهما كثير من الناس في بلادنا كـل يوم في شغف بالماضي وإسقاط على الحاضر .. والمستقبل أيضاً ، ربما يعطيان في واقع الأمر ومن منظور الموروث الشعبي تعريفاً شاملاً ومختصراً للتاريخ ووقائعه ويشيران بجلاء إلى أهمية الوعي قيمة الوثائق التاريخية ومـا دام التاريخ والوثيقة لا ينفصـلان ويلتقيـان في نقطة واحـدة ، هـي التاريخ نفسـه ، فان المصادر المحلية بما تحويه من وثائق تظل ذوات أهمية عالية القدر لمن يهمه ، على سبيل المثـال ، الاشتغـال بموضوعـات التاريخ الليبـي الحديث والمعاصـر ، وقـد نهـض بلا شك العديد من المهتمين لدينـا وكذلك بعض المؤسسـات العلمية بهذا الجهد الشاق .. والكبير جمعاً وتحقيقاً ونشراً.تتمثل هذه المصادر المهمة في جزء واسع منها في وجود العديد من الوثائق والتقييدات التي مازال أغلبها مجهولاً حبيس الإهمال أو قابعاً لدى الخاصة ، وهي تبقى في حاجة ملحة ومستمرة إلى المزيد من الجهد والتضافر للبحث في المظانّ المختلفة على إمتداد الوطن .. ( الأسر والعوائل _ والمكتبات الخاصة _ وغيرها ) والوصول إلى الإقناع بالكشف والإبانة عنها ، خاصة بعد إنقضاء فترات طويلة عليها وغياب رمـوزها أو شهودهـا وتسمح الظروف باستخدامهـا في إطـار علمي ،إن عدم توفر هذه المصادر وإتاحتها بالقدر المطلوب عمّق الإحساس عند الكثير من الباحثين فى مدينتنا أجدابيا وغيرها من المدن الليبية بوجود بعض الثغرات في الكتابة التاريخية وبات أغلبهم يظنُّ ، انعدام تلك الوثائق من الأساس حتى يمكـن التعويل عليهـا ، واعتمـدوا على الروايات الشفوية ، التي يشوب بعضها المبالغة والتهويل أو النسيان ، رغم أهميتها أيضاً ، وأهمية أصحابها المعاصرين للأحداث والوقائع وما تناقلوه في إطارها عن ثقاتٍ آخرين ولم يقفوا عليه بأنفسهم ، وقد تأكد لدى البحاث بأن الذين أسهموا في صنع تلك الأحداث والظروف لم يتركوا ( شيئاً مادياً موثقاً وملموساً ) في غالب الأحيان يمكن الركون إليه في التحقيق أو المقارنة بوثائق أخرى أو روايات شفهية تتوخى الصدق والتجرد ، وأرجعوا أسبابه إلى تفشي الأمية ، وقلة مصادر الثقافة والمعرفة ، وانعدام وسائـل الأعلام ، وتباعد مناطق البلاد وعزلتها وقت الاحتلال وندرة الأنظمة الإدارية ، فاتجه البحث تأسيساً على هذا المفهوم في المصادر الأجنبية ، وهي إجمالاً_ إلا فيما ندر _ تمثل وجهة نظـر واحـدة ، مما يفتح مجالاً للتعامل معها بحذر _ رغم أهميتها أيضاً _ وعلى هذا أضحت المكتبة التاريخية الليبية في ركن منها تتعطش إلى حد كبير ، إلى مصادر التوثيق المحلية التي طفق الإهمال يلازمها أحياناً كثيرة .. إيثاراً للسلامة والبعد عن الحساسيات والخوض في المناطق الملغمة رغم مرور الزمن الطويل الذي يعدها ملكاً للتاريخ وذمته ! الشعــر الشعبــي :لقد ترسخ لدى المشتغلين أيضاً بالموضوع التاريخي الليبي إعتقاد بأن بعض قادة حركة الجهاد أو ممن لعبوا أدواراً مختلفة إبانها مختلفة ومتباينة – إيجاباً أو سلباً – لم يكن لديـه إهتمام بالتوثيـق والتدوين المباشـر ، بعكس العسكريين أو الساسة أو المعاصرين من الأجانب والعرب الذين خلّفوا مذكراتهم وإنطباعاتهم وصدر بعضها في طبعـات عديدة وظلت مرجعـاً يبين عـن معايشتهم للأحـداث والظروف ، وأعُتبر ، هنا في جانب مواز ، الشعر الشعبي الذي نظم في تلك الفترة ، إضافة بالطبع إلى الرواية الشفوية ، مصدراً لتاريخنا ، لأن أغلب ناظمي ذلك الشعر اقتربوا كثيراً من وقائع التاريخ الليبي .. وحضـروا المعارك ووقعوا في أسر النفي والأبعاد ، ثم الهجرة ، وحُشدوا في المسيجات والمعتقلات الرهيبة : ( العقيله – المقرون – سلوق – البريقة ... وغيرها ) وسوى ذلك من صور المعاناة والآلام ، ففي الشعر والرواية ، كثير من الصدق مع ملاحظة بُعد الفترة الزمنية والأعتماد على الذاكرة واختلاط الموضوعات والأحداث بحكم التشابه ، وظروف السن والعمر للرواة والشهود ، فيما كانت ، في الواقع ، أدوار ومعسكرات المجاهدين تنتظم في إدارة جيدة توثق المراسلات والحوادث اليومية ، وكان أيضاً لكل واحد من قادة الجهاد – وفقاً لثقافتهم ومعارفهم – خاصة في السنـوات المبكرة من وقـوع الغـزو وفي مختلف المناطـق ، قريبة وبعيـدة ، ( إرشيف ) خاص ، إن صح التعبير ، يشمل مراسلاته ويومياته وتعليقاته وتهميشاته على ما يصله من أوراق ومستندات ومذكراته أيضاً التي أهملت أو ضاعت فلم تنشر لاحقاً ليتصل بها الدارسون والباحثون وأجيال الوطن الجديدة تحسيساً لها بالانتماء إلى تاريخ الوطن . ومع مرور الوقت واستمرار البحث والعثور على بعض الوثائق التي تشكل قطعة من تاريخ الوطن وجهاده ضد المحتل ، وتتكفل بتغطية فترات حاسمة منه وتسد العديد من ( الثغرات ) وتسجل بدقة كل اللحظات والحوادث التاريخية أولاً بأول ، تتضح أهمية هذه الوثائق والدور الذي يمكن أن تقوم به ندر ، أن هذه الوثائق ، هي قطع نادرة ومهمة من التاريخ الوطني وما يتعلق بجوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية لايجوز كتمها و هى تثير قضايا وموضوعات نحتاجها في كتابة تاريخنا خاصة وهو ما يهمنى الأن تاريخ مدينة أجدابيا ، وهذة الوثائق في الغالب حقيقية : إمـا بخط أيـدي أصحابها أو عن طريق الإمـلاء أو النسخ والنقل منها أيضاً ، وتدلنا بأمثلتها المختلفة على تنـوع الموضوعات ، ووفرة المعلومات ، ومتابعة الشؤون بلا توقف ، وهي تتوزع أيضاً ما بين : المراسلات والمكاتبات المباشرة بين قادة الجهاد وزملائهم أو مرؤوسيهم أومن يكلفون بمهام منهم ، والردود المقتضبة المفتوحة " والمشفَرة " أحياناً ، والجداول الاقتصادية والمالية ، وبيانات الرسوم والجمارك والزكاة وتجميع الأعشار ، والقيودات المالية ، وتمام الأسلحة والوسائط الحربية والمعدات والذخائر ، والغنائم ، وتحركـات العدو ووسائل مراقبته ومتابعته ، وأحوال الأسرى ، وقوائم الشهداء ، وتقارير وأخبار متواصلة عن سير المعارك وزمنها ومكانها ، وطلب المساعدات والنجدات ، وبيانات كثيرة عن الدواب المستعملة والأوامر والتعليمات ونظام البريد ومجالس الدور أو المعسكر .. وغير ذلك .إن " إرشيف " حركة الجهاد موجود في كل هذه الوثائق ، وهو شيء رائع يدلنا على أن هناك تنظيماً عالياً في إدارة معسكرات الجهاد ، ويدل أيضاً على حرص ودقة من وُكَل بهذه المهام الدقيقة ، وتعد شاهداً رئيسياً لحركة المقاومة ضد العدو منذ وقوع الاحتلال ، وتدلنا أيضاً على وجود تنسيق واضح وكامل بين القـوى الوطنية الفاعلة في المناطق كافـة ، وبلا إستثناء إن المصادر والوثائق المحلية في هذه الفترة المهمة لا تقل أهمية وتأثيراً عن غيرها الأجنبية بل ربما تظل في الصدارة من الناحية الوطنية والعلمية والتوثيقية . كانت هذه المصادر قريبة من وهج النار ورائحة البارود ، ومعاناة المجاهدين وعزمهم على القتـال والمقاومة ، وهـذه الوثائق التي تشكَـل ذاكرة محلية ووطنية مذهلة تفصح عن إحاطة كاملة ، آنئذ ، بالأحداث والمجريات العالمية وتبيَن بأن المجاهدين كانوا على اتصال ومعرفة بالظروف العامة الخارجية أيضاً وفهم عميق لما يدور حولهم ويتأثـرون به ، ويؤثرون فيـه ، رغم قلة وسائـل الاتصال وصعوبة التخاطب ، خاصة في أعوام الحرب العالمية الأولى ( 1914- 1918 ) وما تداعى عنها في الداخل من إنعكاسات مريرة
4 التعليقات:
يُعتبر كل أثر مادي منقول وغير منقول، نتاج طبيعي أو نتاج إنساني، صامت (آثار إنسان ما قبل التاريخ مثل الأدوات الحجرية والعظمية، الخزف البسيط، التماثيل…) أو ناطق (النقائش بمختلف أنواعها ومختلف موادها، النقود، الكتب…) قد دخل في صيرورة التاريخ واُحتسب في الزمن قديما ومعاصرا وثيقة تاريخية يجب اعتمادها في دراسة التاريخ لما تتضمنه من معطيات صريحة وباطنة.
وعموما فكل ما له علاقة بالتاريخ الكوني (الإنساني وغير الإنساني) إلى غاية اليوم بكل أنواعه وأشكاله يُعتبر وثائق تاريخية.
شكرا على المعلومت القيمة
هذه بعض المواقع التي اداوم على زيارتنا و هي غنية بالكتب الالكترونية للتحميل المجاني http://www.al-mostafa.com/ http://wadod.net http://www.4shared.com/ http://www.archive.org/index.php http://abooks.tipsclub.com/ http://www.fiseb.com/ http://www.waqfeya.com/ و المزيد المزيد ما عليك اخي الطالب اختي الطالبة الغوص في عالم الانترنيت و محركات البحث و انشاء الله
شكرا أخي الحسين على المجهود.
إرسال تعليق