مدونة التراث أكادير : افتتاح الموقع الرسمي انتظروا منا الأفظل والأجمل والأرقى إنشاء الله www.igoudar-ibnouzohr.ma(مع تحياتي المشرف العام عبد الغني أيت الفقير)

راديو إيكودار24ساعة 7 أيام

راديو إيكودار()() تحية طيبة لكل متتبعي راديو إيكودار الأربعاء 06 نونبر2013 سنة هجرية سعيدة وتحية طيبة من الطاقم التقني لراديو إيكودار

السبت، 31 ديسمبر 2011

إشكالية المنهج والتوثيق ( البيبلوغرافيا )



               إشكالية المنهج والتوثيق ( البيبلوغرافيا ) من خلال كتاب "قضايا

                في التاريخ الإسلامي" منهج وتطبيق للدكتور محمود إسماعيل

                        للأستاذين: محمد بكور و خاليد فؤاد طحطح



 التاريخ علم وفن، علم لأنه يحتاج إلى منهج دقيق وموضوعية كبيرة في التناول، وفن لأنه يحتاج إلى أسلوب بليغ وعرض متناسق ومتناغم للأحداث المتراكمة الكثيرة التداخل والتعقيد، ومن ثم أصبح التاريخ مجالا لا يتطاول على خوض أغماره إلا المتمرسون بأدوات التحليل المنهجي السليم ، وإلا انتفت عنه صفة الموضوعية والدقة.

 لقد تعددت مناهج دراسة التاريخ الإنساني قديما وحديثا، وإذا كان اتجاه من سبق من المؤرخين يعتمد على سرد الوقائع والأحداث كما رأوها أو سمعوها، فان هناك من تجاوز ذلك إلى التعمق في استخلاص العبر عبر التأمل وسبر الأغوار وعبر التحليل والتركيب، إلى درجة أن البعض صاغ على ضوئها قوانين عامة اتخذها قاعدة لمشروع نظرية لتفسير التاريخ ككل، وفق مسار معين تتخذه الإحداث في الزمان.

 وقد تعددت هذه النظريات واختلفت وتباينت في تفسير وفهم التاريخ، كما تنوعت مناهجها المتبعة في دراسة هذا التاريخ، ورغم هذه الاختلافات الكبيرة فان من المتفق عليه ضرورة إتباع مجموعة من القواعد العلمية الأساسية، والتي بدونها تفقد الكتابة التاريخية قيمتها الحقيقية، ويمكن إجمال هذه القواعد أساسا في التحري الدقيق للموضوعية، والابتعاد عن الذاتية والإيديولوجية، والالتزام الصارم بالأمانة العلمية في النقل والتوثيق من المصادر التاريخية المعتمدة .

 إن التاريخ يتم انطلاقا من الوثائق والمصادر، هذا أمر لا شك فيه ، انه ضرورة ملحة بالنسبة للكتابة التاريخية، حتى لا يغدو الأمر وكأنه فقط مجرد قصص خيالية أو روايات ترفيهية.

 ومن ثم ارتأينا الحديث عن موضوع التوثيق والمنهج، وتتبع مدى حضورهما من خلال كتاب "قضايا في التاريخ الإسلامي" منهج وتطبيق للدكتور محمود إسماعيل، والكتاب هو عبارة عن سياحة في مواضيع متفرقة، تخص جوانب من تاريخ المسلمين والإسلام، جمعها المؤلف تحت هذا العنوان، تربطها وحدة مفترضة قوامها الدفاع والانتصار لفكرة إيديولوجية تؤمن بالعدالة والمساواة.

I المنهج المتبع في الكتاب.

 1 قراءة في عنوان الكتاب.

 يمكن تقسيم هذا العنوان إلى شطرين، الأول قضايا في التاريخ الإسلامي، وهو عنوان عام وفضفاض، إذ لم يحدد المؤلف فترة زمنية معينة قصد التعمق في داستها، فالعنوان هنا يحرر صاحبه من التقيد بالزمكان، فهو خال من أي تحديد مكاني، ولا يشمل سوى تخصيصا زمنيا واسعا جدا يمتد إلى أزيد من أربعة عشر قرنا، نقول هذا ونحن نقر بأنه لا يمكن بأي حال الفصل بين البعد الزمني والمكاني، فالفصل ظاهري فقط، وإلا فان هذا التحديد الزماني يوحي في طياته بالضرورة الرقعة الجغرافية التي امتد عليها التاريخ الإسلامي، بمعنى إننا عندما نقول التاريخ الإسلامي نقصد تاريخ المنطقة التي ضمتها هذه الدولة من أطراف آسيا إلى فردوس الأندلس.

 إن هذا التحديد الواسع والفضفاض ضمن للمؤلف اختيار القضايا التي يريد دراستها وتحليلها دون الأخرى التي قد لا تخدم أفكاره المسبقة عن الموضوع، وهو هنا سيسقط في هفوة الانتقاء المتعمد للوقائع التي سيركز عليها .

 أما الشطر الثاني من عنوان الكتاب منهج وتطبيق ، فانه يعتبر تحديدا من نوع آخر هذه المرة، وهو يحيلنا على المنهج الفكري المتبع، أي انه يبين نوع الدراسة التي يعتزم المؤلف القيام بها، إذ يصرح في مقدمة الكتاب قائلا انه " يتضمن مجموعة من الدراسات بعضها يهتم بالتحقيق والبعض الآخر يحفل بالتفسير، فالنوع الأول يعالج قضايا محددة...أما النوع الثاني فيمثل تطبيقا لما يسمى بالدراسة الأفقية لحقبة تاريخية."1

 إننا من خلال تفحصنا لعنوان الكتاب، لا يمكننا حتما أن نتمكن من معرفة ما قد يتضمنه المضمون من قضايا، ولا ندري بالضبط المواضيع التي قد يتناولها بالبحث والاستقصاء، فنخلص إلى سؤال يطرح نفسه بإلحاح إلى أي حد يتوافق مضمون الكتاب مع العنوان ؟

 عندما نتمعن في الفهرس نلاحظ أن الكتاب يقع في ستة فصول، يتقاسمها موضوعان أساسيان :

الموضوع الأول: في أربعة فصول يعالج خلالها قضايا مختلفة من التاريخ الإسلامي وهي

فلسفة التشريع عند عمر بن لخطاب، وتراجيديا التحكيم وموقف الخوارج منها، والانشطار في حزب اليسار، والتفسير الاجتماعي لثورات المغاربة في القرن الثاني من الهجرة.

الموضوع الثاني: ركز خلاله على نموذج مؤرخين احدهما من الجيل القديم وهو ابن تغزي بردي، ومن الجيل الحديث الأديب طه حسين الذي اعتبره مؤرخ صدر الإسلام.

 إن الجواب على السؤال الذي سبق طرحه يبدو صعبا للغاية، فمن جهة الكتاب لا يضع المؤلف في دائرة مغلقة وضيقة يمكن نقده عند تجاوز خطوطها، ومن جهة أخرى فان هذه الفصول المكونة لمضمون الكتاب تبدو غير متناسقة للوهلة الأولى، بل وغير متقاربة لا في الزمان ولا في المكان، من هنا بالضبط تأتي صعوبة الجواب.

 لماذا اختار المؤلف هذه المواضيع بالضبط دون غيرها من قضايا عديدة يحفل بها تاريخ الإسلام، قضايا تكاد تكون مستحيلة الإحصاء، بل أكثر من ذلك هناك قضايا أكثر أهمية من المواضيع التي اختارها في دراسته، فلم لم يلتفت إليها إذن؟ كما أنه كان بإمكانه على الأقل أن يختار قضايا متناقضة تسمح له في أفضل الأحوال تقديم دراسة مقارنة قد تعطي للموضوع أهمية أكبر وتفضي إلى استنتاجات أعمق.

2 وقفة مع المنهج المتبع.

 يشير المؤلف بصريح العبارة إلى أن"أزمة فكر العربي المعاصر هي بالدرجة الأولى أزمة منهج، ولا سبيل لنقلة في هذا الفكر دون الأخذ بالمنهج العلمي"2 وهذا رأي لا يختلف عليه اثنان، ومن خلال هذا الإقرار، وقبل ذلك من العنوان يتضح لنا أن الدكتور محمود إسماعيل يولي أهمية قصوى للمنهج ،إنه يدعو إلى ضرورة الأخذ بالمنهج العلمي الكفيل بإخراجنا من بوتقة الأزمة التي نعيشها، ويقول أيضا"واعتقد أنه آن الأوان إعادة كتابة التاريخ الإسلامي ومراجعة تقييمه وفق أصول علمية منهجية"3

 إننا هنا وأمام هذه الدعوة لا نملك إلا أن نتفق معه، فلسنا من دعاة تقديس التاريخ، ولسنا نبالغ إذا قلنا أن التاريخ الإسلامي تعرض لتشويه كبير، ويحتاج إلى من يفض عنه الغبار الكثيف الذي لحقه، وهذا الموضوع يحتاج إلى دراسة مستفيضة ومستقلة بذاتها.

 إن الملفت للنظر هو أن الكاتب رغم تأكيده القوي وتشديده على ضرورة الاعتماد على المنهج العلمي في البحث التاريخي، فانه لم يكلف نفسه عناء توضيح طبيعة هذا المنهج ولا أشار إلى خطواته، وهذا راجع إلى احد الأسباب التالية، إما أن هذا المنهج معروف ومتداول بين الجميع ومن ثم فإنه لا يحتاج إلى تعريف، وهذا يتناقض مع ما ذهب إليه المؤلف من أن أزمة الفكر العربي المعاصر هي أزمة منهج، أو أن المؤلف يعتبر أن هناك منهجا علميا واحدا لذلك فهو لا يحتاج إلى شرح ، ويكفي التعرف عليه واستراده وتطبيقه. وربما هذا هو التعليل المنطقي.

 أي منهج هذا الذي قصد محمود إسماعيل؟ للإجابة على هذا السؤال يجب العودة إلى كتب المؤلف الأخرى ففيها نجد إشارات إلى طبيعة هذا المنهج، ففي كتابه سوسيولوجية الفكر الإسلامي يقول" الرؤية المادية للمعرفة أكثر الرؤى الاجتماعية علمية وقدرة على استيعاب الفكر الإنساني ، وقدر لها أن تكون كذلك بفضل تاريخانياتها وجدليتها وشمولها وطواعيتها للبحث التاريخي"4.

 هكذا يتضح لنا أن المنهج المقصود هو المادية التاريخية، الذي يعتبره المنهج العلمي الوحيد القادر على سبر الحقائق التاريخية، وما دونه من مناهج أخرى لا تعدو أن تكون عوائق في وجه هذا المنهج التقدمي، يقول"وكل المحاولات المثالية التي اضطلع بها علماء الاجتماع المحدثين لدحض المادية التاريخية والإتيان بصيغ بديلة لنفي قوانينها باءت بالفشل "5.

 إن محمود إسماعيل من المتعصبين للأخذ بالمذهب المادي في تفسير التاريخ، والقائم على إعطاء الأهمية للعامل الاقتصادي وللصراع الطبقي دون العوامل الأخرى ولعل هذا هو الذي يعطينا تفسيرا مقنعا لطبيعة القضايا التي ركز عليها في كتابه دون الأخرى، فالمتأمل في نوعية هذه القضايا يستطيع التنبه إلى رابط قوي يجمعها ، ويتلخص بالأساس في فلسفة العدالة الاجتماعية والنضال اليساري في تاريخ الإسلام، إنها محاولة البحث عن جذور اليسار والفكر الاشتراكي في بيئة الثقافة الإسلامية ، وهو من المسالك التي تبنتها العديد من التيارات الفكرية والعربية في وقتنا الحالي حتى إننا سمعنا بتيار اليسار الإسلامي .

فهل يمكن اعتبار المنهج المادي التاريخي هو المنهج العلمي الوحيد والسليم لدراسة تاريخنا الإسلامي؟

3أزمة المادية التاريخية.

 المادية التاريخية هي نوع من التطبيق الفكري للمنهج الجدلي على حركة التاريخ الإنساني وترتكز على عدة خصائص.

 إن إنتاج الحاجات المادية هو أساس التطور في التفسير المادي للتاريخ وعلاقات الإنتاج السائدة هي التي تشكل البناء الاقتصادي والاجتماعي للشعوب، وهي التي تحدد البناء العلوي للمجتمع.

 الصراع الطبقي هو أساس هذا التطور وهو قائم دائما على صراع حتمي بين المضطهدين والمتعسفين أساسه التفاوت الطبقي.

 إن المادية التاريخية تعتبر التاريخ الإنساني تاريخ غائي له مسار معين يجري فيه وفق قالب حتمي، انطلق من المشاعية البدائية إلى نظام الرق إلى النظام الإقطاعي إلى الرأسمالية الصناعية، ويأخذ اتجاها نحو الشيوعية والاشتراكية الموعودة بإلغاء كافة إشكال اللامساواة المادية بين أفراد المجتمع حيث تنتفي جميع الطبقات وتختفي تدريجيا معها مؤسسات الدولة .

 بعد هذه النظرة الموجزة يتضح لنا أن المذهب الماركسي هو رؤية لتفسير الكون والحياة والتاريخ، اعتمادا على العامل الاقتصادي، وقد أهمل هذا التفسير باقي العوامل الأخرى مما جعله محط انتقادات العديد من المفكرين والمؤرخين فهونشو أستاذ التاريخ بجامعة لندن سابقا قال في كتابه علم التاريخ إن جميع المسئولين والمفكرين قد عدلوا عن العقيدة المسرفة التي صاغها ماركس والتي تفسر التاريخ تفسيرا اقتصاديا محضا.6

 وفيما يخص العلاقة بين ظروف الإنتاج وقوى الإنتاج، لاحظ كارل فيدرن ملاحظة بارعة حيث يقول" إن قوى الإنتاج وظروف الإنتاج تؤثر دائما على بعضها ويقرر بعضها بعضا ...كما ان اختراع أسلحة جديدة يؤثر في الحروب ويحدد نتيجتها والحروب تؤدي دائما إلى اختراع أسلحة جديدة وأشكال جديدة من التنظيم العسكري ومع ذلك فلن يزعم إلا مخبول أن تطور الأسلحة وتنظيم الجيش هو سبب الحرب والعامل الأساسي في التاريخ العسكري.7

إن دراسة التاريخ يجب أن تنطلق من الشمولية، فهناك عوامل عديدة غير العامل الاقتصادي كالولاء والمباديء والإيمان والأعراف وغيرها والتي تحفز الإنسان على العمل والتغيير .

 كما أن عقيدة الحتمية التاريخية تعرضت لهزة عنيفة مع ظهور المدارس التاريخية الجديدة، فقد تم الإعلان عن موت فلسفة التاريخ وإفلاس كل النظريات الغائية المماثلة التي تدعي أن للتاريخ مسار، إن نهاية التاريخانية الغائية مع تطور فلسفة العلم يفرض علينا تجنب كل ماله علاقة بالتنبؤات والتصورات المرتبطة بالإيديولوجية، والقطيعة مع كل إشكال التفكير الأسطوري والخرافي، فالمنهجية العلمية لا تؤمن بالحماسة المذهبية ، فقد أثبتت الوقائع بما لا يدع مجالا للشك أن التقسيم الخماسي للتاريخ وفق الجدلية المادية والديالكتيك ليس له أي معنى ، فلا الرأسمالية سقطت ولا الشيوعية انتصرت، ولا الجماهير اتحدت، ثم إن المادية ألغت دور الفرد في صياغة الواقعة التاريخية وهي نفسها النظرية التي لم تكن لتظهر بهذه القوة لولا القيادة الفردية لمنظريها وتصميمهم الفعلي على فكرة الثورة والتغيير.

4 المنهج المتبع في الكتاب بين الذاتية والموضوعية.

 تجدر الإشارة في البداية إلى أن المؤلف لم يعتمد في منهجه على المادية التاريخية الجامدة المرتكزة على التفسير الاقتصادي دون غيره، وإنما حول رد كل ظاهرة مدروسة إلى عوامل أخرى اجتماعية وسياسية وحتى دينية ومذهبية، غير أنه لم يخرج عن الإطار العام الذي رسمه ليخلص إلى النتائج المسطرة سلفا، إنه لم ينطلق من إشكاليات حقيقية متناقضة.

 وإذا كان المؤلف حاول في بداية كل فصل ملامسة كل المصادر المعاصرة للمرحلة من خلال إلقاء نظرة عامة عليها، وتوضيح بعض الصعوبات والعراقيل التقنية المرتبطة بندرة الوثائق من جهة وتحريف وتزييف العديد منها من جهة أخرى بسبب التعصب أو غيرها، فإنه أعلن انه سيحاول نقد مثل هذه الأخبار معتمدا في ذلك على منهج علمي صارم، إلا أنه للأسف لم يوفق في ذلك، فقد كانت استنتاجاته متسرعة إن لم نقل متحاملة ومؤدلجة.

 أول ملاحظة يمكن معاينتها على مستوى المنهج هو التسرع في إصدار أحكام القيمة في مجال لا نؤمن فيه إلا بالنسبية، يقول المؤلف محمود إسماعيل في إطار محاولاته الحثيثة بحثا عن جذور محتملة للحتمية التاريخية في القران الكريم. يقول" القصص الديني الذي يسوقه القران الكريم يؤكد على ضرورة إتباع الجماعة مبدأ العدالة انطلاقا من وازع ديني أخلاقي، وإلا فإن قدرة الله كفيلة بقهر الطغاة الظلمة وقدرة الله هنا تعني الحتمية ومجافاة تعاليم الله تعني الظلم الاجتماع "8

 إن هذا الكلام ينافي تماما ما سبق أن أشار إليه المؤلف قبل هذه العبارة بقليل، إذ زعم أن القران لا ينطوي على نظرية في تفسير التاريخ، ثم إن تفسير المعنى القرآني للظلم وحصره فقط في الظلم الاجتماعي هو جهل كبير بالخطاب القرآني الشمولي، فقد ورد في القران مفهوم الظلم في آية صريحة بمعنى الشرك، قال الله تعالى في سورة لقمان الآية 12: (إن الشرك لظلم عظيم).

 إن محاولة البحث عن جذور الحتمية في القران عبر الإسقاطات واللعب بالمفردات والمصطلحات منهج غير دقيق تماما، وليس المجال هنا التفصيل في هذه القضية.

 من جهة أخرى نجد المؤلف يكيل اتهامات دون سند مصدري موثق حيث زعم أن عثمان رضي الله عنه أثار بسياسته حنق رجال الدين من الفقهاء والقراء، ومن هنا كانت ثورة القبائل العربية بمباركة هؤلاء الذين كانوا يحرضون عليها ويدعمونها إلى أن قتل عثمان9، وهذا اتهام للفقهاء والقراء والعلماء بالمساهمة في مقتل الخليفة الثالث دون أن يورد المصدر الذي انتقى منه هذا الخبر .

 وفي سياق حديثه عن الخوارج أكد أن هؤلاء يمثلون الفئة القليلة المؤمنة الحريصة على الالتزام بالكتاب والسنة دون تأويل ولا مواربة10، وهذه النتيجة لا أدري من أين استقاها الكاتب هل من الوقائع التاريخية أم من خلفية تحاول إيهام القارئ أن المسلمين الآخرين من باقي الطوائف ليسوا إلا كفارا، وأن الخوارج هم وحدهم الفئة المؤمنة من دون الناس، أم أن هذا الحكم راجع إلى مطالبة هؤلاء بالعدالة ومحاربة الظلم، وهو الأمر الذي أهلهم في نظر الكاتب إلى حمل لقب حزب اليسار عن جدارة واستحقاق.

 إن الكاتب يدافع عن الخوارج بشكل مبالغ فيه، وينتقي من المصادر ما يظهرهم طلاب حق وعدل، كما خالف ما ذهب إليه سابقا فقد اعتمد على الروايات الضعيفة وبشهادته إذ يقول في معرض الحديث"وما ينبغي إبرازه أولا تشكيك بعض الثقاة في روايتي أبي مخنن والمقري(نصر بن مزاحم) اللتان شاعتا في تاريخ الطبري"11.

 نجد المؤلف يأخذ بروايات نصر بن مزاحم المشكوك في صحتها والتي لم يأخذ بها إلا القليل من المؤرخين، ومنها مثلا موقف علي بن أبي طالب من الخلفاء الراشدين، فقد التقط محمود إسماعيل العديد من الروايات المشكوك فيها، وتبنى صحتها وأوردها في كتابه مجملة قائلا" ولا يخفى أنه أي علي كان آخر من بايع أبا بكر من كبار الصحابة، سكت على مضض حين آلت الخلافة إلى عمر بن الخطاب، وفاض كيله حين تحولت عنه إلى عثمان بعد عمر، وخرج عن صمته وضرب بسهم في الفتنة الكبرى التي آدت إلى مقتل عثمان"12.

 إن المعلومات الواردة في هذا النص تحتاج إلى تدقيق كبير، ونحن نشك في مصداقيتها ومدى الأمانة في نقلها، فكيف يكون علي بن أبي طالب متآمرا ومشاركا في الفتنة الكبرى وهو قد أرسل أبناءه للدفاع عن عثمان رضي الله عنه.

 و إذا كان المؤلف يأخذ بالروايات الضعيفة والمشكوك فيها لتعزيز وتمرير أفكاره المسبقة، فانه بالمقابل يطعن في المصادر الأكثر وثوقية كمصنفات الحديث المشهورة بالثقة، فهو يصف حديثا موجودا في صحيح البخاري بالحديث المنتحل وبالرواية الأسطورية13، والمشكلة الكبرى أنه اخذ بمضمون هذا الحديث وبنى عليه استنتاجاته فيما يخص تبني الخوارج لمفهوم العدالة في الإسلام من حيث التمسك الشديد بالمساواة المطلقة دون نظر إلى عصبية أو عنصرية 14.

وتبقى هذه ملاحظات عامة فقط ، يمكن التوسع فيها لاحقا وتتبع تفاصيلها بشكل أكثر دقة.

5 أزمة المصطلحات والمفاهيم.

 هنا نقف وقفة متأنية مع العديد من المصطلحات التي استخدمها المؤلف دون بيان معناها أو توضيح الأسباب التي دفعته لاستعمالها، انه من صلب إشكالية الكتابة لتاريخية وخاصة المادية منها حشو المواضيع بمجموعة من المصطلحات المبتورة من سياقات مغايرة،تعبر عن إيديولوجية فيصبح المؤرخ سجين أفكار مسبقة تؤثر على رؤيته وفهمه للنصوص التي يقراها يقول فوستل دي كولانج بعض العلماء الباحثين يبدءون تفكيرهم بتكوين رأي ..وبعدئذ فقط يقرؤون النصوص وهم بهذا في خطر إما أن لا يفهموها أو يفهموها فهما خاطئا ذلك انه بين النص والعقل المستبق الرأي ..يقوم نوع من النزاع الصريح ويرفض العقل أن يدرك ما هو مضاد لرأيه15.

 يؤكد المؤلف أن سياسة عثمان غير الإسلامية أتاحت للارستقراطية السفيانية الظهور فضلا عن بزوغ الارستقراطية التيوقراطية الجديدة من بعض كبار الصحابة ويقول أيضا" وان جاز لنا أن نحدد موقف عمر من اليمين واليسار نرى انه ساند اليسار من بدء خلافته حتى منتهاها، فقد كان عمر اشتراكيا منذ تولى الحكم حتى مقتله"16

 ويصف إجراء عمر بعدم تقسيم أراضي الفتوحات على الجند بأنه"إجراء اشتراكي بحث يجعل أهم وسائل الإنتاج ملكا عاما للجماعة الإسلامية.

 لسنا هنا بصدد تبرئة ثراء المسلمين الطلقاء وسيطرتهم على أموال مهمة و طائلة، لكننا نشك في انقسام المجتمع الإسلام في عهد الخلفاء الراشدين إلى يمين ويسار ووسط، ونشك أكثر في مصداقية إطلاق صفة اشتراكي على عمر رضي الله عنه بل نعتقد أنها مجرد كلمات عششت في ذهن الكاتب وأراد إقحامها في موضوعه مهما كانت الوسيلة

 إن تحديد المصطلحات وبيان معانيها والمراد منها تعتبر من مهمات العلم الأساسية،لكن يبدو أن المؤلف لم يكلف نفسه هذا العناء،بل استعمل مصطلحات تاريخية منقولة من وسط يختلف دلاليا عن الوسط الاجتماعي والثقافي موضوع الدراسة.

 إن مصطلحات من قبيل الثيوقراطية والارستقراطية واليمين واليسار والمحافظين والاشتراكية لا تمت بصلة إلى الفترة المدروسة.



 II المصادر والبيبلوغرافيا(إشكالية التوثيق)

1 إشكالية التوثيق وأهميته في الدراسات التاريخية.

 لا يمكن لأي باحث دارس أن يستغني عن المصادر والمراجع، فهي أساسية وضرورية،وعملية التحقق من صدقية الأخبار المتضمنة في المصادر لها أهميتها القصوى، والتوثيق من أهم جوانب الكتابة التاريخية العلمية، إذ على الباحث الإفصاح عن مصادره ليطلع عليها الغير وليتأكد من مدى احترام الباحث للأمانة والعلمية في النقل والتعامل مع الوثيقة.

 يقول لانجلوا"الوثائق هي الآثار التي خلفتها أفكار السلف وأفعالهم"17 و تضم الكتابات الرسمية و نصوص المعاهدات والاتفاقيات والمراسلات وعقود البيع والزواج وسجلات الكنانيش والضرائب وغيرها وقد توجد كوثائق مستقلة متضمنة في كتب التاريخ أو كتب أخرى كالأدب والفقه والنوازل، وأحيانا توجد الوثائق بشكل غير مكتوب لذلك يجب التعامل مع الوثيقة بحذر شديد.

 ورغم أهمية الوثيقة والتوثيق نجد كثيرا من المؤرخين قدامى ومعاصرين لا يعيرونها الاهتمام الكامل، مما يجعل كتابتهم تفقد بريقها المنهجي وقد تصبح أحيانا متجاوزة وغير ذات مصداقية .

 وللتوثيق قواعد متعارف عليها، وان كان هناك بعض الاختلافات فإنها لا تتعدى الجانب الشكلي، ومن هذه القواعد:

-         اختيار المادة التاريخية وترتيبها وتمحيصها لفرز الأسطوري عن الواقعي.

-         ترتيب الهوامش وذلك باحترام الطريقة المشهورة ذكر اسم المؤلف بالكامل بالنسبة للمصادر العربية واللقب أولا ثم الاسم ثم اسم الكتاب ومكان الطبع وتاريخ الطبع ورقم المجلد أو الجزء إن وجد ورقم الصفحة، وان كان مخطوطا فينبغي ذكر المكتبة أو الأرشيف الذي يوجد به ورقمه.

-         لائحة المصادر أو البيبلوغرافيا في نهاية البحث تضم قائمة المصادر ثم المراجع ،وأن تنظم بشكل أبجدي حسب أسماء المؤلفين بذكر اسم المؤلف بالكامل ...الخ.

2 التوثيق في الكتاب

 إذا تتبعنا التوثيق في الكتاب من أوله إلى آخره مستحضرين القواعد السالفة الذكر ، نتفاجأ بشكل كبير إذ تغيب أهم شروط التوثيق الأساسية المعتمدة، فان كان المؤلف قد أشار في بداية كل فصل إلى المصادر التي اعتمدها وطرح المشاكل المرتبطة بندرة الوثائق وتعارض الأخبار، فانه لم يرقى بتاتا إلى مستوى النقد والتمحيص إذ لم يتجاوز إطار العموميات وإصدار الأحكام دون التدقيق في البحث أضف إلى هذا أننا لا نجد أثرا للمصادر الموثوقة والتي تعرضت أخبارها لتمحيص دقيق وخاصة كتب الحديث الصحيحة.

 وفيما يخص القاعدة المتبعة في ترتيب الهوامش لم يلتزم بها الدكتور البتة، بل ضرب بها عرض الحائط ، مستهينا بذلك بإحدى أهم قواعد الكتابة التاريخية، ويتجلى ذلك في:

 ذكر اسم المؤلف غير كامل، الطبري ، السلاوي، المالكي، الخ

 لم يذكر أسماء المصادر كاملة مثلا السير، المؤنس، الاستقصاء، البيان المغرب، الكامل....

 لا يذكر أماكن وتواريخ الطبع، وهذا الخرق يهم كل المصادر والمراجع التي اعتمدها باستثناء عدد محدود جدا ذكر مكان طبعه

 لم يكر اسم المكتبات أو الأرشيفات التي تحتفظ بالمخطوطات التي أشار إليها

 أما البيبلوغرافيا فقد تغافلها المؤلف بشكل تام، ولم يكلف نفسه عناء ترتيب مصادره ومراجعه مستهينا نمرة أخرى بقاعدة أخرى من قواعد التوثيق ، وعلى العموم فان هذه التجاوزات أثرت بشكل كبير على مصداقية الكتاب.

3 قيمة الكتاب

لابد أن نشير في البداية إلى أن تقييم إي إنتاج تاريخي هو عملية صعبة، كما أن الآراء ستختلف من دارس لأخر كل حسب معاييره ومقاييسه ، غير أن تقييم كتاب الدكتور محمود إسماعيل ليس بالأمر الهين، ذلك انه حاول "تثوير" حالة مرحلة تاريخية معينة قد مضت، وبحث عن جور إيديولوجية داخل تراث يصعب فك ميكانيزماته، واسقط نموذجا معاصرا على نموذج سابق مختلف تماما .

 إن هذه الصعوبة دفعتنا إلى طرح تساؤلات منهجية أولية ومحاولة تفكيكها للوصول إلى نتائج منطقية ومقبولة.

 ما الجديد الذي قدمه كتاب الدكتور محمود إسماعيل؟ وبعبارة أخرى لماذا كتب عن هذا الموضوع بالضبط؟ هل الغرض علمي بحث أم أن هناك أهداف خفية أخرى؟.

 هل هناك جديد على مستوى المنهج؟ أي طريقة اتبعها في التحليل والتفسير؟

 سبق أن تعرضنا لجانبين هامين من جوانب الكتاب، جانب المنهج وجانب التوثيق، وخلصنا إلى نتائج واضحة. يمكن تلخيصها في ما يلي:

 السقوط في هفوات كان أهمها إصدار أحكام قيمة متسرعة، في ميدان لا يؤمن إلا بالنسبية.

 لا جديد طرحه الكتاب، فقد صدرت كتابات عربية ناقشت نفس الأفكار والقضايا وبنفس المنهج أهمها كتاب الفتنة لهشام جعيط وكتابات حسين مروة,,,وغيرهم، وبالتالي فان المنهج المتبع في الكتاب معروف ومتداولة ومتجاوزة.

 إن الغرض الذي توخاه الكاتب هو التدليل على فكرة الصراع الطبقي في المجتمع الإسلامي، اعتمادا على التمايز الاقتصادي، وإن كان قد اعترف بتأثير عوامل أخرى، وقد ركز فقط على الأحداث التي تخدم هذه الفكرة بالضبط، وجعلها نماذج لفعل اشتراكي تقدمي.

 ونعود مرة أخرى لمناقشة موضوع التوثيق الذي تميز بالضعف والهشاشة وليس هناك تفسير لهذا التجاهل من جانب المؤلف خصوصا وانه باحث متخصص، فهل غفلته هذه مقصودة أم لا؟وإذا لم تكن مقصودة فهذا خطا كبير بالنسبة لمؤرخ محترف، أما إذا كان الأمر مقصودا فذاك أمر أشد خطورة.

 إن اعتماد المؤلف على مصادر غير موثوقة، وطعنه في المصادر الأكثر وثوقية يجعلنا نشكك في مصداقية المؤلف، فقد كان هدفه الأساسي هو إبراز الروايات التي تؤكد نظريته وتجاهل ما عداها وطعن في الروايات المخالفة، لذلك يمكن عد كتاب قضايا في التاريخ الإسلامي مرجعا لا قيمة له من الناحية العلمية، ولا يمكن الاطمئنان إلى الخلاصات والنتائج التي توصل إليها، وبالتالي لا يمكن اعتماده مرجعا موثوقا في مجال الكتابات التاريخية.



الهوامش:



 1 د محمود إسماعيل (قضايا في التاريخ الاسلامي_منهج وتطبيق_) الطبعة الثانية،1981، ص 10

2 المرجع أعلاه، ص5.

3 نفسه،ص8.

4 د محمود إسماعيل( سوسيولوجية الفكر الإسلامي) الطبعة الثالثة،1988، القاهرة،ص5.

5 نفس المرجع ص 6

 6 د عماد الدين خليل( التفسير الإسلامي للتاريخ) الطبعة الأولى 1975، بيروت، ص6.

7 نفسه ص 55

8 د محمود إسماعيل(قضايا في التاريخ الإسلامي) مرجع سابق، ص 99.

9 نفس المرجع ص69.

10 نفسه ص 73.

11 نفسه ص47

12 نفسه ص 43.

13 نفسه ص 67،68.

14 نفسه ص 68.

15 النقد التاريخي ترجمة عبد الرحمان بدوي، الطبعة الثالثة 1977 ص 111.

16 محمود إسماعيل( قضايا في التاريخ الإسلامي) مرجع سابق ص 43

17 د مصطفى أبو ضيف احمد ( منهج البحث التاريخي بين الماضي والحاضر) 1987 العرب ص 134.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Powered by Blogger