مدونة التراث أكادير : افتتاح الموقع الرسمي انتظروا منا الأفظل والأجمل والأرقى إنشاء الله www.igoudar-ibnouzohr.ma(مع تحياتي المشرف العام عبد الغني أيت الفقير)

راديو إيكودار24ساعة 7 أيام

راديو إيكودار()() تحية طيبة لكل متتبعي راديو إيكودار الأربعاء 06 نونبر2013 سنة هجرية سعيدة وتحية طيبة من الطاقم التقني لراديو إيكودار

السبت، 31 ديسمبر 2011

إشكالية المنهج والتوثيق ( البيبلوغرافيا )



               إشكالية المنهج والتوثيق ( البيبلوغرافيا ) من خلال كتاب "قضايا

                في التاريخ الإسلامي" منهج وتطبيق للدكتور محمود إسماعيل

                        للأستاذين: محمد بكور و خاليد فؤاد طحطح



 التاريخ علم وفن، علم لأنه يحتاج إلى منهج دقيق وموضوعية كبيرة في التناول، وفن لأنه يحتاج إلى أسلوب بليغ وعرض متناسق ومتناغم للأحداث المتراكمة الكثيرة التداخل والتعقيد، ومن ثم أصبح التاريخ مجالا لا يتطاول على خوض أغماره إلا المتمرسون بأدوات التحليل المنهجي السليم ، وإلا انتفت عنه صفة الموضوعية والدقة.

 لقد تعددت مناهج دراسة التاريخ الإنساني قديما وحديثا، وإذا كان اتجاه من سبق من المؤرخين يعتمد على سرد الوقائع والأحداث كما رأوها أو سمعوها، فان هناك من تجاوز ذلك إلى التعمق في استخلاص العبر عبر التأمل وسبر الأغوار وعبر التحليل والتركيب، إلى درجة أن البعض صاغ على ضوئها قوانين عامة اتخذها قاعدة لمشروع نظرية لتفسير التاريخ ككل، وفق مسار معين تتخذه الإحداث في الزمان.

 وقد تعددت هذه النظريات واختلفت وتباينت في تفسير وفهم التاريخ، كما تنوعت مناهجها المتبعة في دراسة هذا التاريخ، ورغم هذه الاختلافات الكبيرة فان من المتفق عليه ضرورة إتباع مجموعة من القواعد العلمية الأساسية، والتي بدونها تفقد الكتابة التاريخية قيمتها الحقيقية، ويمكن إجمال هذه القواعد أساسا في التحري الدقيق للموضوعية، والابتعاد عن الذاتية والإيديولوجية، والالتزام الصارم بالأمانة العلمية في النقل والتوثيق من المصادر التاريخية المعتمدة .

 إن التاريخ يتم انطلاقا من الوثائق والمصادر، هذا أمر لا شك فيه ، انه ضرورة ملحة بالنسبة للكتابة التاريخية، حتى لا يغدو الأمر وكأنه فقط مجرد قصص خيالية أو روايات ترفيهية.

 ومن ثم ارتأينا الحديث عن موضوع التوثيق والمنهج، وتتبع مدى حضورهما من خلال كتاب "قضايا في التاريخ الإسلامي" منهج وتطبيق للدكتور محمود إسماعيل، والكتاب هو عبارة عن سياحة في مواضيع متفرقة، تخص جوانب من تاريخ المسلمين والإسلام، جمعها المؤلف تحت هذا العنوان، تربطها وحدة مفترضة قوامها الدفاع والانتصار لفكرة إيديولوجية تؤمن بالعدالة والمساواة.

I المنهج المتبع في الكتاب.

 1 قراءة في عنوان الكتاب.

 يمكن تقسيم هذا العنوان إلى شطرين، الأول قضايا في التاريخ الإسلامي، وهو عنوان عام وفضفاض، إذ لم يحدد المؤلف فترة زمنية معينة قصد التعمق في داستها، فالعنوان هنا يحرر صاحبه من التقيد بالزمكان، فهو خال من أي تحديد مكاني، ولا يشمل سوى تخصيصا زمنيا واسعا جدا يمتد إلى أزيد من أربعة عشر قرنا، نقول هذا ونحن نقر بأنه لا يمكن بأي حال الفصل بين البعد الزمني والمكاني، فالفصل ظاهري فقط، وإلا فان هذا التحديد الزماني يوحي في طياته بالضرورة الرقعة الجغرافية التي امتد عليها التاريخ الإسلامي، بمعنى إننا عندما نقول التاريخ الإسلامي نقصد تاريخ المنطقة التي ضمتها هذه الدولة من أطراف آسيا إلى فردوس الأندلس.

 إن هذا التحديد الواسع والفضفاض ضمن للمؤلف اختيار القضايا التي يريد دراستها وتحليلها دون الأخرى التي قد لا تخدم أفكاره المسبقة عن الموضوع، وهو هنا سيسقط في هفوة الانتقاء المتعمد للوقائع التي سيركز عليها .

 أما الشطر الثاني من عنوان الكتاب منهج وتطبيق ، فانه يعتبر تحديدا من نوع آخر هذه المرة، وهو يحيلنا على المنهج الفكري المتبع، أي انه يبين نوع الدراسة التي يعتزم المؤلف القيام بها، إذ يصرح في مقدمة الكتاب قائلا انه " يتضمن مجموعة من الدراسات بعضها يهتم بالتحقيق والبعض الآخر يحفل بالتفسير، فالنوع الأول يعالج قضايا محددة...أما النوع الثاني فيمثل تطبيقا لما يسمى بالدراسة الأفقية لحقبة تاريخية."1

 إننا من خلال تفحصنا لعنوان الكتاب، لا يمكننا حتما أن نتمكن من معرفة ما قد يتضمنه المضمون من قضايا، ولا ندري بالضبط المواضيع التي قد يتناولها بالبحث والاستقصاء، فنخلص إلى سؤال يطرح نفسه بإلحاح إلى أي حد يتوافق مضمون الكتاب مع العنوان ؟

 عندما نتمعن في الفهرس نلاحظ أن الكتاب يقع في ستة فصول، يتقاسمها موضوعان أساسيان :

الموضوع الأول: في أربعة فصول يعالج خلالها قضايا مختلفة من التاريخ الإسلامي وهي

فلسفة التشريع عند عمر بن لخطاب، وتراجيديا التحكيم وموقف الخوارج منها، والانشطار في حزب اليسار، والتفسير الاجتماعي لثورات المغاربة في القرن الثاني من الهجرة.

الموضوع الثاني: ركز خلاله على نموذج مؤرخين احدهما من الجيل القديم وهو ابن تغزي بردي، ومن الجيل الحديث الأديب طه حسين الذي اعتبره مؤرخ صدر الإسلام.

 إن الجواب على السؤال الذي سبق طرحه يبدو صعبا للغاية، فمن جهة الكتاب لا يضع المؤلف في دائرة مغلقة وضيقة يمكن نقده عند تجاوز خطوطها، ومن جهة أخرى فان هذه الفصول المكونة لمضمون الكتاب تبدو غير متناسقة للوهلة الأولى، بل وغير متقاربة لا في الزمان ولا في المكان، من هنا بالضبط تأتي صعوبة الجواب.

 لماذا اختار المؤلف هذه المواضيع بالضبط دون غيرها من قضايا عديدة يحفل بها تاريخ الإسلام، قضايا تكاد تكون مستحيلة الإحصاء، بل أكثر من ذلك هناك قضايا أكثر أهمية من المواضيع التي اختارها في دراسته، فلم لم يلتفت إليها إذن؟ كما أنه كان بإمكانه على الأقل أن يختار قضايا متناقضة تسمح له في أفضل الأحوال تقديم دراسة مقارنة قد تعطي للموضوع أهمية أكبر وتفضي إلى استنتاجات أعمق.

2 وقفة مع المنهج المتبع.

 يشير المؤلف بصريح العبارة إلى أن"أزمة فكر العربي المعاصر هي بالدرجة الأولى أزمة منهج، ولا سبيل لنقلة في هذا الفكر دون الأخذ بالمنهج العلمي"2 وهذا رأي لا يختلف عليه اثنان، ومن خلال هذا الإقرار، وقبل ذلك من العنوان يتضح لنا أن الدكتور محمود إسماعيل يولي أهمية قصوى للمنهج ،إنه يدعو إلى ضرورة الأخذ بالمنهج العلمي الكفيل بإخراجنا من بوتقة الأزمة التي نعيشها، ويقول أيضا"واعتقد أنه آن الأوان إعادة كتابة التاريخ الإسلامي ومراجعة تقييمه وفق أصول علمية منهجية"3

 إننا هنا وأمام هذه الدعوة لا نملك إلا أن نتفق معه، فلسنا من دعاة تقديس التاريخ، ولسنا نبالغ إذا قلنا أن التاريخ الإسلامي تعرض لتشويه كبير، ويحتاج إلى من يفض عنه الغبار الكثيف الذي لحقه، وهذا الموضوع يحتاج إلى دراسة مستفيضة ومستقلة بذاتها.

 إن الملفت للنظر هو أن الكاتب رغم تأكيده القوي وتشديده على ضرورة الاعتماد على المنهج العلمي في البحث التاريخي، فانه لم يكلف نفسه عناء توضيح طبيعة هذا المنهج ولا أشار إلى خطواته، وهذا راجع إلى احد الأسباب التالية، إما أن هذا المنهج معروف ومتداول بين الجميع ومن ثم فإنه لا يحتاج إلى تعريف، وهذا يتناقض مع ما ذهب إليه المؤلف من أن أزمة الفكر العربي المعاصر هي أزمة منهج، أو أن المؤلف يعتبر أن هناك منهجا علميا واحدا لذلك فهو لا يحتاج إلى شرح ، ويكفي التعرف عليه واستراده وتطبيقه. وربما هذا هو التعليل المنطقي.

 أي منهج هذا الذي قصد محمود إسماعيل؟ للإجابة على هذا السؤال يجب العودة إلى كتب المؤلف الأخرى ففيها نجد إشارات إلى طبيعة هذا المنهج، ففي كتابه سوسيولوجية الفكر الإسلامي يقول" الرؤية المادية للمعرفة أكثر الرؤى الاجتماعية علمية وقدرة على استيعاب الفكر الإنساني ، وقدر لها أن تكون كذلك بفضل تاريخانياتها وجدليتها وشمولها وطواعيتها للبحث التاريخي"4.

 هكذا يتضح لنا أن المنهج المقصود هو المادية التاريخية، الذي يعتبره المنهج العلمي الوحيد القادر على سبر الحقائق التاريخية، وما دونه من مناهج أخرى لا تعدو أن تكون عوائق في وجه هذا المنهج التقدمي، يقول"وكل المحاولات المثالية التي اضطلع بها علماء الاجتماع المحدثين لدحض المادية التاريخية والإتيان بصيغ بديلة لنفي قوانينها باءت بالفشل "5.

 إن محمود إسماعيل من المتعصبين للأخذ بالمذهب المادي في تفسير التاريخ، والقائم على إعطاء الأهمية للعامل الاقتصادي وللصراع الطبقي دون العوامل الأخرى ولعل هذا هو الذي يعطينا تفسيرا مقنعا لطبيعة القضايا التي ركز عليها في كتابه دون الأخرى، فالمتأمل في نوعية هذه القضايا يستطيع التنبه إلى رابط قوي يجمعها ، ويتلخص بالأساس في فلسفة العدالة الاجتماعية والنضال اليساري في تاريخ الإسلام، إنها محاولة البحث عن جذور اليسار والفكر الاشتراكي في بيئة الثقافة الإسلامية ، وهو من المسالك التي تبنتها العديد من التيارات الفكرية والعربية في وقتنا الحالي حتى إننا سمعنا بتيار اليسار الإسلامي .

فهل يمكن اعتبار المنهج المادي التاريخي هو المنهج العلمي الوحيد والسليم لدراسة تاريخنا الإسلامي؟

3أزمة المادية التاريخية.

 المادية التاريخية هي نوع من التطبيق الفكري للمنهج الجدلي على حركة التاريخ الإنساني وترتكز على عدة خصائص.

 إن إنتاج الحاجات المادية هو أساس التطور في التفسير المادي للتاريخ وعلاقات الإنتاج السائدة هي التي تشكل البناء الاقتصادي والاجتماعي للشعوب، وهي التي تحدد البناء العلوي للمجتمع.

 الصراع الطبقي هو أساس هذا التطور وهو قائم دائما على صراع حتمي بين المضطهدين والمتعسفين أساسه التفاوت الطبقي.

 إن المادية التاريخية تعتبر التاريخ الإنساني تاريخ غائي له مسار معين يجري فيه وفق قالب حتمي، انطلق من المشاعية البدائية إلى نظام الرق إلى النظام الإقطاعي إلى الرأسمالية الصناعية، ويأخذ اتجاها نحو الشيوعية والاشتراكية الموعودة بإلغاء كافة إشكال اللامساواة المادية بين أفراد المجتمع حيث تنتفي جميع الطبقات وتختفي تدريجيا معها مؤسسات الدولة .

 بعد هذه النظرة الموجزة يتضح لنا أن المذهب الماركسي هو رؤية لتفسير الكون والحياة والتاريخ، اعتمادا على العامل الاقتصادي، وقد أهمل هذا التفسير باقي العوامل الأخرى مما جعله محط انتقادات العديد من المفكرين والمؤرخين فهونشو أستاذ التاريخ بجامعة لندن سابقا قال في كتابه علم التاريخ إن جميع المسئولين والمفكرين قد عدلوا عن العقيدة المسرفة التي صاغها ماركس والتي تفسر التاريخ تفسيرا اقتصاديا محضا.6

 وفيما يخص العلاقة بين ظروف الإنتاج وقوى الإنتاج، لاحظ كارل فيدرن ملاحظة بارعة حيث يقول" إن قوى الإنتاج وظروف الإنتاج تؤثر دائما على بعضها ويقرر بعضها بعضا ...كما ان اختراع أسلحة جديدة يؤثر في الحروب ويحدد نتيجتها والحروب تؤدي دائما إلى اختراع أسلحة جديدة وأشكال جديدة من التنظيم العسكري ومع ذلك فلن يزعم إلا مخبول أن تطور الأسلحة وتنظيم الجيش هو سبب الحرب والعامل الأساسي في التاريخ العسكري.7

إن دراسة التاريخ يجب أن تنطلق من الشمولية، فهناك عوامل عديدة غير العامل الاقتصادي كالولاء والمباديء والإيمان والأعراف وغيرها والتي تحفز الإنسان على العمل والتغيير .

 كما أن عقيدة الحتمية التاريخية تعرضت لهزة عنيفة مع ظهور المدارس التاريخية الجديدة، فقد تم الإعلان عن موت فلسفة التاريخ وإفلاس كل النظريات الغائية المماثلة التي تدعي أن للتاريخ مسار، إن نهاية التاريخانية الغائية مع تطور فلسفة العلم يفرض علينا تجنب كل ماله علاقة بالتنبؤات والتصورات المرتبطة بالإيديولوجية، والقطيعة مع كل إشكال التفكير الأسطوري والخرافي، فالمنهجية العلمية لا تؤمن بالحماسة المذهبية ، فقد أثبتت الوقائع بما لا يدع مجالا للشك أن التقسيم الخماسي للتاريخ وفق الجدلية المادية والديالكتيك ليس له أي معنى ، فلا الرأسمالية سقطت ولا الشيوعية انتصرت، ولا الجماهير اتحدت، ثم إن المادية ألغت دور الفرد في صياغة الواقعة التاريخية وهي نفسها النظرية التي لم تكن لتظهر بهذه القوة لولا القيادة الفردية لمنظريها وتصميمهم الفعلي على فكرة الثورة والتغيير.

4 المنهج المتبع في الكتاب بين الذاتية والموضوعية.

 تجدر الإشارة في البداية إلى أن المؤلف لم يعتمد في منهجه على المادية التاريخية الجامدة المرتكزة على التفسير الاقتصادي دون غيره، وإنما حول رد كل ظاهرة مدروسة إلى عوامل أخرى اجتماعية وسياسية وحتى دينية ومذهبية، غير أنه لم يخرج عن الإطار العام الذي رسمه ليخلص إلى النتائج المسطرة سلفا، إنه لم ينطلق من إشكاليات حقيقية متناقضة.

 وإذا كان المؤلف حاول في بداية كل فصل ملامسة كل المصادر المعاصرة للمرحلة من خلال إلقاء نظرة عامة عليها، وتوضيح بعض الصعوبات والعراقيل التقنية المرتبطة بندرة الوثائق من جهة وتحريف وتزييف العديد منها من جهة أخرى بسبب التعصب أو غيرها، فإنه أعلن انه سيحاول نقد مثل هذه الأخبار معتمدا في ذلك على منهج علمي صارم، إلا أنه للأسف لم يوفق في ذلك، فقد كانت استنتاجاته متسرعة إن لم نقل متحاملة ومؤدلجة.

 أول ملاحظة يمكن معاينتها على مستوى المنهج هو التسرع في إصدار أحكام القيمة في مجال لا نؤمن فيه إلا بالنسبية، يقول المؤلف محمود إسماعيل في إطار محاولاته الحثيثة بحثا عن جذور محتملة للحتمية التاريخية في القران الكريم. يقول" القصص الديني الذي يسوقه القران الكريم يؤكد على ضرورة إتباع الجماعة مبدأ العدالة انطلاقا من وازع ديني أخلاقي، وإلا فإن قدرة الله كفيلة بقهر الطغاة الظلمة وقدرة الله هنا تعني الحتمية ومجافاة تعاليم الله تعني الظلم الاجتماع "8

 إن هذا الكلام ينافي تماما ما سبق أن أشار إليه المؤلف قبل هذه العبارة بقليل، إذ زعم أن القران لا ينطوي على نظرية في تفسير التاريخ، ثم إن تفسير المعنى القرآني للظلم وحصره فقط في الظلم الاجتماعي هو جهل كبير بالخطاب القرآني الشمولي، فقد ورد في القران مفهوم الظلم في آية صريحة بمعنى الشرك، قال الله تعالى في سورة لقمان الآية 12: (إن الشرك لظلم عظيم).

 إن محاولة البحث عن جذور الحتمية في القران عبر الإسقاطات واللعب بالمفردات والمصطلحات منهج غير دقيق تماما، وليس المجال هنا التفصيل في هذه القضية.

 من جهة أخرى نجد المؤلف يكيل اتهامات دون سند مصدري موثق حيث زعم أن عثمان رضي الله عنه أثار بسياسته حنق رجال الدين من الفقهاء والقراء، ومن هنا كانت ثورة القبائل العربية بمباركة هؤلاء الذين كانوا يحرضون عليها ويدعمونها إلى أن قتل عثمان9، وهذا اتهام للفقهاء والقراء والعلماء بالمساهمة في مقتل الخليفة الثالث دون أن يورد المصدر الذي انتقى منه هذا الخبر .

 وفي سياق حديثه عن الخوارج أكد أن هؤلاء يمثلون الفئة القليلة المؤمنة الحريصة على الالتزام بالكتاب والسنة دون تأويل ولا مواربة10، وهذه النتيجة لا أدري من أين استقاها الكاتب هل من الوقائع التاريخية أم من خلفية تحاول إيهام القارئ أن المسلمين الآخرين من باقي الطوائف ليسوا إلا كفارا، وأن الخوارج هم وحدهم الفئة المؤمنة من دون الناس، أم أن هذا الحكم راجع إلى مطالبة هؤلاء بالعدالة ومحاربة الظلم، وهو الأمر الذي أهلهم في نظر الكاتب إلى حمل لقب حزب اليسار عن جدارة واستحقاق.

 إن الكاتب يدافع عن الخوارج بشكل مبالغ فيه، وينتقي من المصادر ما يظهرهم طلاب حق وعدل، كما خالف ما ذهب إليه سابقا فقد اعتمد على الروايات الضعيفة وبشهادته إذ يقول في معرض الحديث"وما ينبغي إبرازه أولا تشكيك بعض الثقاة في روايتي أبي مخنن والمقري(نصر بن مزاحم) اللتان شاعتا في تاريخ الطبري"11.

 نجد المؤلف يأخذ بروايات نصر بن مزاحم المشكوك في صحتها والتي لم يأخذ بها إلا القليل من المؤرخين، ومنها مثلا موقف علي بن أبي طالب من الخلفاء الراشدين، فقد التقط محمود إسماعيل العديد من الروايات المشكوك فيها، وتبنى صحتها وأوردها في كتابه مجملة قائلا" ولا يخفى أنه أي علي كان آخر من بايع أبا بكر من كبار الصحابة، سكت على مضض حين آلت الخلافة إلى عمر بن الخطاب، وفاض كيله حين تحولت عنه إلى عثمان بعد عمر، وخرج عن صمته وضرب بسهم في الفتنة الكبرى التي آدت إلى مقتل عثمان"12.

 إن المعلومات الواردة في هذا النص تحتاج إلى تدقيق كبير، ونحن نشك في مصداقيتها ومدى الأمانة في نقلها، فكيف يكون علي بن أبي طالب متآمرا ومشاركا في الفتنة الكبرى وهو قد أرسل أبناءه للدفاع عن عثمان رضي الله عنه.

 و إذا كان المؤلف يأخذ بالروايات الضعيفة والمشكوك فيها لتعزيز وتمرير أفكاره المسبقة، فانه بالمقابل يطعن في المصادر الأكثر وثوقية كمصنفات الحديث المشهورة بالثقة، فهو يصف حديثا موجودا في صحيح البخاري بالحديث المنتحل وبالرواية الأسطورية13، والمشكلة الكبرى أنه اخذ بمضمون هذا الحديث وبنى عليه استنتاجاته فيما يخص تبني الخوارج لمفهوم العدالة في الإسلام من حيث التمسك الشديد بالمساواة المطلقة دون نظر إلى عصبية أو عنصرية 14.

وتبقى هذه ملاحظات عامة فقط ، يمكن التوسع فيها لاحقا وتتبع تفاصيلها بشكل أكثر دقة.

5 أزمة المصطلحات والمفاهيم.

 هنا نقف وقفة متأنية مع العديد من المصطلحات التي استخدمها المؤلف دون بيان معناها أو توضيح الأسباب التي دفعته لاستعمالها، انه من صلب إشكالية الكتابة لتاريخية وخاصة المادية منها حشو المواضيع بمجموعة من المصطلحات المبتورة من سياقات مغايرة،تعبر عن إيديولوجية فيصبح المؤرخ سجين أفكار مسبقة تؤثر على رؤيته وفهمه للنصوص التي يقراها يقول فوستل دي كولانج بعض العلماء الباحثين يبدءون تفكيرهم بتكوين رأي ..وبعدئذ فقط يقرؤون النصوص وهم بهذا في خطر إما أن لا يفهموها أو يفهموها فهما خاطئا ذلك انه بين النص والعقل المستبق الرأي ..يقوم نوع من النزاع الصريح ويرفض العقل أن يدرك ما هو مضاد لرأيه15.

 يؤكد المؤلف أن سياسة عثمان غير الإسلامية أتاحت للارستقراطية السفيانية الظهور فضلا عن بزوغ الارستقراطية التيوقراطية الجديدة من بعض كبار الصحابة ويقول أيضا" وان جاز لنا أن نحدد موقف عمر من اليمين واليسار نرى انه ساند اليسار من بدء خلافته حتى منتهاها، فقد كان عمر اشتراكيا منذ تولى الحكم حتى مقتله"16

 ويصف إجراء عمر بعدم تقسيم أراضي الفتوحات على الجند بأنه"إجراء اشتراكي بحث يجعل أهم وسائل الإنتاج ملكا عاما للجماعة الإسلامية.

 لسنا هنا بصدد تبرئة ثراء المسلمين الطلقاء وسيطرتهم على أموال مهمة و طائلة، لكننا نشك في انقسام المجتمع الإسلام في عهد الخلفاء الراشدين إلى يمين ويسار ووسط، ونشك أكثر في مصداقية إطلاق صفة اشتراكي على عمر رضي الله عنه بل نعتقد أنها مجرد كلمات عششت في ذهن الكاتب وأراد إقحامها في موضوعه مهما كانت الوسيلة

 إن تحديد المصطلحات وبيان معانيها والمراد منها تعتبر من مهمات العلم الأساسية،لكن يبدو أن المؤلف لم يكلف نفسه هذا العناء،بل استعمل مصطلحات تاريخية منقولة من وسط يختلف دلاليا عن الوسط الاجتماعي والثقافي موضوع الدراسة.

 إن مصطلحات من قبيل الثيوقراطية والارستقراطية واليمين واليسار والمحافظين والاشتراكية لا تمت بصلة إلى الفترة المدروسة.



 II المصادر والبيبلوغرافيا(إشكالية التوثيق)

1 إشكالية التوثيق وأهميته في الدراسات التاريخية.

 لا يمكن لأي باحث دارس أن يستغني عن المصادر والمراجع، فهي أساسية وضرورية،وعملية التحقق من صدقية الأخبار المتضمنة في المصادر لها أهميتها القصوى، والتوثيق من أهم جوانب الكتابة التاريخية العلمية، إذ على الباحث الإفصاح عن مصادره ليطلع عليها الغير وليتأكد من مدى احترام الباحث للأمانة والعلمية في النقل والتعامل مع الوثيقة.

 يقول لانجلوا"الوثائق هي الآثار التي خلفتها أفكار السلف وأفعالهم"17 و تضم الكتابات الرسمية و نصوص المعاهدات والاتفاقيات والمراسلات وعقود البيع والزواج وسجلات الكنانيش والضرائب وغيرها وقد توجد كوثائق مستقلة متضمنة في كتب التاريخ أو كتب أخرى كالأدب والفقه والنوازل، وأحيانا توجد الوثائق بشكل غير مكتوب لذلك يجب التعامل مع الوثيقة بحذر شديد.

 ورغم أهمية الوثيقة والتوثيق نجد كثيرا من المؤرخين قدامى ومعاصرين لا يعيرونها الاهتمام الكامل، مما يجعل كتابتهم تفقد بريقها المنهجي وقد تصبح أحيانا متجاوزة وغير ذات مصداقية .

 وللتوثيق قواعد متعارف عليها، وان كان هناك بعض الاختلافات فإنها لا تتعدى الجانب الشكلي، ومن هذه القواعد:

-         اختيار المادة التاريخية وترتيبها وتمحيصها لفرز الأسطوري عن الواقعي.

-         ترتيب الهوامش وذلك باحترام الطريقة المشهورة ذكر اسم المؤلف بالكامل بالنسبة للمصادر العربية واللقب أولا ثم الاسم ثم اسم الكتاب ومكان الطبع وتاريخ الطبع ورقم المجلد أو الجزء إن وجد ورقم الصفحة، وان كان مخطوطا فينبغي ذكر المكتبة أو الأرشيف الذي يوجد به ورقمه.

-         لائحة المصادر أو البيبلوغرافيا في نهاية البحث تضم قائمة المصادر ثم المراجع ،وأن تنظم بشكل أبجدي حسب أسماء المؤلفين بذكر اسم المؤلف بالكامل ...الخ.

2 التوثيق في الكتاب

 إذا تتبعنا التوثيق في الكتاب من أوله إلى آخره مستحضرين القواعد السالفة الذكر ، نتفاجأ بشكل كبير إذ تغيب أهم شروط التوثيق الأساسية المعتمدة، فان كان المؤلف قد أشار في بداية كل فصل إلى المصادر التي اعتمدها وطرح المشاكل المرتبطة بندرة الوثائق وتعارض الأخبار، فانه لم يرقى بتاتا إلى مستوى النقد والتمحيص إذ لم يتجاوز إطار العموميات وإصدار الأحكام دون التدقيق في البحث أضف إلى هذا أننا لا نجد أثرا للمصادر الموثوقة والتي تعرضت أخبارها لتمحيص دقيق وخاصة كتب الحديث الصحيحة.

 وفيما يخص القاعدة المتبعة في ترتيب الهوامش لم يلتزم بها الدكتور البتة، بل ضرب بها عرض الحائط ، مستهينا بذلك بإحدى أهم قواعد الكتابة التاريخية، ويتجلى ذلك في:

 ذكر اسم المؤلف غير كامل، الطبري ، السلاوي، المالكي، الخ

 لم يذكر أسماء المصادر كاملة مثلا السير، المؤنس، الاستقصاء، البيان المغرب، الكامل....

 لا يذكر أماكن وتواريخ الطبع، وهذا الخرق يهم كل المصادر والمراجع التي اعتمدها باستثناء عدد محدود جدا ذكر مكان طبعه

 لم يكر اسم المكتبات أو الأرشيفات التي تحتفظ بالمخطوطات التي أشار إليها

 أما البيبلوغرافيا فقد تغافلها المؤلف بشكل تام، ولم يكلف نفسه عناء ترتيب مصادره ومراجعه مستهينا نمرة أخرى بقاعدة أخرى من قواعد التوثيق ، وعلى العموم فان هذه التجاوزات أثرت بشكل كبير على مصداقية الكتاب.

3 قيمة الكتاب

لابد أن نشير في البداية إلى أن تقييم إي إنتاج تاريخي هو عملية صعبة، كما أن الآراء ستختلف من دارس لأخر كل حسب معاييره ومقاييسه ، غير أن تقييم كتاب الدكتور محمود إسماعيل ليس بالأمر الهين، ذلك انه حاول "تثوير" حالة مرحلة تاريخية معينة قد مضت، وبحث عن جور إيديولوجية داخل تراث يصعب فك ميكانيزماته، واسقط نموذجا معاصرا على نموذج سابق مختلف تماما .

 إن هذه الصعوبة دفعتنا إلى طرح تساؤلات منهجية أولية ومحاولة تفكيكها للوصول إلى نتائج منطقية ومقبولة.

 ما الجديد الذي قدمه كتاب الدكتور محمود إسماعيل؟ وبعبارة أخرى لماذا كتب عن هذا الموضوع بالضبط؟ هل الغرض علمي بحث أم أن هناك أهداف خفية أخرى؟.

 هل هناك جديد على مستوى المنهج؟ أي طريقة اتبعها في التحليل والتفسير؟

 سبق أن تعرضنا لجانبين هامين من جوانب الكتاب، جانب المنهج وجانب التوثيق، وخلصنا إلى نتائج واضحة. يمكن تلخيصها في ما يلي:

 السقوط في هفوات كان أهمها إصدار أحكام قيمة متسرعة، في ميدان لا يؤمن إلا بالنسبية.

 لا جديد طرحه الكتاب، فقد صدرت كتابات عربية ناقشت نفس الأفكار والقضايا وبنفس المنهج أهمها كتاب الفتنة لهشام جعيط وكتابات حسين مروة,,,وغيرهم، وبالتالي فان المنهج المتبع في الكتاب معروف ومتداولة ومتجاوزة.

 إن الغرض الذي توخاه الكاتب هو التدليل على فكرة الصراع الطبقي في المجتمع الإسلامي، اعتمادا على التمايز الاقتصادي، وإن كان قد اعترف بتأثير عوامل أخرى، وقد ركز فقط على الأحداث التي تخدم هذه الفكرة بالضبط، وجعلها نماذج لفعل اشتراكي تقدمي.

 ونعود مرة أخرى لمناقشة موضوع التوثيق الذي تميز بالضعف والهشاشة وليس هناك تفسير لهذا التجاهل من جانب المؤلف خصوصا وانه باحث متخصص، فهل غفلته هذه مقصودة أم لا؟وإذا لم تكن مقصودة فهذا خطا كبير بالنسبة لمؤرخ محترف، أما إذا كان الأمر مقصودا فذاك أمر أشد خطورة.

 إن اعتماد المؤلف على مصادر غير موثوقة، وطعنه في المصادر الأكثر وثوقية يجعلنا نشكك في مصداقية المؤلف، فقد كان هدفه الأساسي هو إبراز الروايات التي تؤكد نظريته وتجاهل ما عداها وطعن في الروايات المخالفة، لذلك يمكن عد كتاب قضايا في التاريخ الإسلامي مرجعا لا قيمة له من الناحية العلمية، ولا يمكن الاطمئنان إلى الخلاصات والنتائج التي توصل إليها، وبالتالي لا يمكن اعتماده مرجعا موثوقا في مجال الكتابات التاريخية.



الهوامش:



 1 د محمود إسماعيل (قضايا في التاريخ الاسلامي_منهج وتطبيق_) الطبعة الثانية،1981، ص 10

2 المرجع أعلاه، ص5.

3 نفسه،ص8.

4 د محمود إسماعيل( سوسيولوجية الفكر الإسلامي) الطبعة الثالثة،1988، القاهرة،ص5.

5 نفس المرجع ص 6

 6 د عماد الدين خليل( التفسير الإسلامي للتاريخ) الطبعة الأولى 1975، بيروت، ص6.

7 نفسه ص 55

8 د محمود إسماعيل(قضايا في التاريخ الإسلامي) مرجع سابق، ص 99.

9 نفس المرجع ص69.

10 نفسه ص 73.

11 نفسه ص47

12 نفسه ص 43.

13 نفسه ص 67،68.

14 نفسه ص 68.

15 النقد التاريخي ترجمة عبد الرحمان بدوي، الطبعة الثالثة 1977 ص 111.

16 محمود إسماعيل( قضايا في التاريخ الإسلامي) مرجع سابق ص 43

17 د مصطفى أبو ضيف احمد ( منهج البحث التاريخي بين الماضي والحاضر) 1987 العرب ص 134.

السبت، 24 ديسمبر 2011

في قراءة " التّراث" عامّة "والتّراث الدّينيّ" خاصّة





في قراءة " التّراث" عامّة "والتّراث الدّينيّ" خاصّة


يبدو لفظ "تراث" من الألفاظ المتداولة الّتي ألفتهاعقول النّاس إلفا قد يوهم الدّارس بوضوح مفهومه وبيان مصطلحه، لكنّ النّاظر نظرا متمليًا في أصوله الإيتيمولوجيّة المعجميّة والمصطلحيّة التّداوليّة لواجد أن هذا اللّفظ ليس كما بدا في المجال التّداوليّ ولا كما استقرّ في أذهان النّاس على البيان المزعوم والوضوح المقدّر وإنّما هو مثار خلاف جعله مفهوما "يتحدّد بمكوّناته الخاصّة وبموقف النّاس منه وتصوّراتهم عنه" وحتّى نقف على سمة الاختلاف المفهوميّ الّتي تلبّست بلفظ "تراث" عبر العصور والحقب سنحدّد مستويين من مستويات النّظر في التّراث بوصفه مفهوما مختلف التّحديدات متباين الدّلالات.
مفهوم التّراث في المعاجم القديمة
لقد ورد ضمن كتاب الرّاغب الأصفهانيّ "المفردات في غريب القرآن" أنّ "تراث أصلُه وراث وَوَرث الوراثةُ والإرث انتقال قُنية إليك عن غيرك من غير عقد ولا ما يجري مجرى العقد، وسُمّي بذلك المنتقلُ عن الميت فيقال للقُنية الموروثة ميراث وإرث. وتراث أصله وراث فقُلبت الواو ألفا وتاء قال ’وتأكلون التّراث’ وقال عليه الصّلاة وآلسّلام ’أثبتوا على مشاعركم فإنّكم على إرث أبيكم’ أي أصله وبقيّته، قال الشّاعر:
فلينظر في صحف كالرّبــاط فيهن إرث كتاب محي
ويقال ورث مالا عن زيد وورثت زيدا، قال"وورث سليمان دواد- وورثه أبواه- وعلى الوراث مثل ذلك "ويقال أورثني الميت كذا، وقال "وإن كان رجل يورث كلالة" وأورثني الله كذا، وقال "وأورثناها قوما آخرين وأورثكم أرضهم وأورثنا القوم" وقال "يا أيّها الّذين آمنوا لا يحلّ لكم أن ترثوا النّساء كرها" ويقال لكلّ من حصلله شيء، من غير تعب قد ورث كذا. وقال لمن خول شيئا مهنئا أورث، قال تعالى"وتلك الجنّةُ الّتي أورثتموها أولئك هم الوارثون الّذين يرثون" وقولـه ويرث من آل يعقوب"، فإنّه يعني وراثة النّبوّة والعلم والفضيلة دون المال (…) ووصف الله نفسه بأنّه الوارث، من أنّ الأشياء كلّها صائرة إلى الله تعالى، قال تعالى" ولله ميراث السّماوات والأرض" وقال "ونحن الوارثون" ويقال ورثت علما من فلان أي استفدت منه، قال تعالى"ورثوا الكتاب"- أورثوا الكتاب من بعدهم ثم أورثنا الكتاب- يرثها عبادي الصّالحون" فإنّ الوراثة الحقيقيّة هي أن يحصل للإنسان شيء، لا يكون عليه فيه تبعةٌ ولا عليه محاسبةٌ"
ولا نكاد نظفر في معجم ابن منظور "لسان العرب" بما يوسّع دلالة الأصل المعجميّ (و، ر، ث) " الوارث صفة من صفات آلله عزّ وجلّ (…) ورثه ماله ومجده، وورثت عنه ورثا وَرثةً ووراثة وإراثة (…) وورث سليمان داود، قال الزجّاج: جاء في التفسير أنّه ورّثه ملكه (…) وتقول أورثه الشّيء أبوه وهم وَرَثة فلان، وورثه توريثا أي أدخله في ماله على ورثيه وتوارثوه كابرا عن كابر(…) الورثُ والوَرثُ والإرث والوارثُ والإراث والتّراث واحد ( ابن الأعرابيّ)، والميراث أصله موْراثُ (الجوهريّ) (..) وورث في ماله.. أدخل فيه من ليس من أهل الوراثة (الأزهريّ)…".
وقد تفطّن إلى ذلك محمّد عابد الجابريّ في كتابه التّراث والحداثة، إذ اعتبر "أنّ الموضوع الّذي تحيل إليه هذه المادّة ومشتقّاتها في الخطاب العربيّ القديم كان دائما المال وبدرجة أقلّ الحسب" وقد ارتبط تعبير القدامى عن مقصود التّراث بجملة من الألفاظ والتّراكيب مثل- ما أفادونا من ثمار فكرهم -،وهو تركيب لفظيّ استعمله أبو يوسف يعقوب ابن إسحاق الكنديّ ليعبّر به عن إرث الأسلاف الّّذين سبقوه في الصّناعة والعلم.
كما نجد إلى هذا التّركيب تركيبا آخر- ما قاله من تقدّمنا في ذلك - وقد استعمله أبو الوليد محمّد ابن أحمد ابن رشد ليترجم به المقصد نفسه الّذي ضمّنه أبو يوسف تركيبه السّابق . وهكذا ندرك أن الحدّ الإيتيمولوجيّ المعجميّ لكلمة تراث كما تحمّلته المادّة المعجميّة (و، ر، ث) لا يخرج عن دلالتين اثنتين ولا يجاوز حقلين معنويين، حقل المال وما يعدل عنه وحقل الحكمة والعلم وهذا المفهوم الثّاني ليس مفهوما متواترا في المعاجم القديمة تواتر المفهوم الأول، مما يدلّ على أنّ لفظ تراث المنقلب عن وراث موصول في وجهه المعجميّ بالإرث الماديّ أكثر من اتّصاله بالإرث الرّمزيّ المجرّد. ولكنّ وجود الدّلالتين- وإن بتفاوت - من حيث التّواتر والاطّراد يجعلنا نعتبر التّراث دالاّ على ما يترك من المادّة تتناقل وتورّث وما يصطفى من العلم يؤثّر وينفع.
إن الدّلالة المعجميّة للفظ تراث في المجرى الإيتيمولوجيّ القديم تضمّنت إشارة سيبلورها اللاّحقون من العلماء الدّارسين ويمحّضونها، لتستوي مصطلحا قائما برأسه مفيدا معنى الموروث الثّقافيّ والفكريّ الّذي تختصّ به أمّة من الأمم فيتنزّل لديها منزلة القاعدة والسّنة الّتي بها يُحدّ انتماؤها ويقاس تجذّرها في التّاريخ.
مفهوم التّراث في المعاجم الحديثة
ما يلفت النّظر أن كلمتي Héritage و Patrimoine في التّقليد الفرنكوفونيّ وكلمة Patrimony في التّقليد الأنكلوفونيّ لا تكادان تتجاوزان دلالة ما ظفرنا به من معاني رشحت بها المعاجم العربيّة القديمة. فمعاني هذه الألفاظ كما يقول الجابريّ "لاتكاد تتعدّى حدود المعنى العربيّ القديم للكلمة الّذي يحيل أساسا إلى تركة الهالك إلى أبنائه ولم تستعمل كلمة héritage الفرنسيّة في معنى مجازيّ للدّلالة على المعتقدات والعادات الخاصّة بحضارة ما وبكيفيّة عامّة التّراث الروحيّ إلاّ قليلا" وهو ما ينجم عنه أنّ مفهوم آلتّراث "ليس معطى واحدا بل هو اتّجاهات وتيّارات عبّرت عن مواقف وقوى اجتماعيّة وعن إيديولوجيّات ورؤى مختلفة"، وهذا الاعتبار يجعلنا نخلص إلى الحدّ المصطلحيّ كما تبلور واستقرّ في الفكر العربيّ المعاصر الّذي تجاوزت أنظار أعلامه فيه ضيق الحدّ المعجميّ واستبداله بضروب من التّوسيع الدلاليّ جعلت مفهوم التّراث لا "يجد إطاره المرجعيّ إلاّ داخل الفكر العربيّ المعاصر ومفاهيمه الخاصّة وليس خارجهما".
إنّ مفهوم التّراث كما تجلّى في الفكر العربيّ المعاصر مفهوم "ذو شحنة وجدانيّة ومضمون إيديولوجيّ" ممّا جعله من المفاهيم المتحوّلة بتحوّل العصور والحقب والمواقف والآراء، لذلك كثرت حدودُه كثرة لافتة أشكل معها معناه وتضخّم محتواه، حتّى صار الحديث جائزا عن تراث بصيغة الجمع توسم بها الأمم وتنعت الحضاراتُ.
فالحدّان الإيتيمولوجيّ المعجميّ والمصطلحيّ التّداوليّ يحيلان إلى نتيجة مفادُها أنّ مفهوم التّراثله من المعاني ما كثر ومن الدّلالات ما تعددّد وذلك عائد إلى طبيعة مادّته وخصائص مكوّناته وردود فعل النّاس عليه، لأنّه تركةٌ ومخلّف وإرث تركه السّالف وتلقّاه اللاّحق من جهة التّسليم والاسترسال وهو ما أكسب مفهوم التّراث منزلة لدى المعاصرين خاصّة، جعلت تعاملهم معه وطرائق تلقيهمإيّاه شعبا ومذاهب اختلفت بآختلاف المنطلقات وتباينت بتباين النوازع والأهداف الّتي يروم الدّارسون بلوغها، وهم يتعاملون مع التّراث، بوصفه تركة مادّية ومخلّفا رمزيّا تتقوّم بها ثقافاتهم وتتّسم به حضاراتهم ولا غرابة أن لا يعادل مفهوم التّراث لدى البعض مفهوم السنّة الثّقافيّة ولا يقاسمها الاشتراك والتّوحُّد، ومجلى هذا الاعتبار كامنٌ في قول بعض الدّارسين "تراث كلّ أمّة هو رصيدها الباقي وذخيرتها الثّابتة ومدّخرُها المعبّر عن مدى ما كانت عليه من تقدّم في كلّ مجالات الحضارة والثّقافة".
مناهج معالجة التّراث لدى المفكّرين العرب المعاصرين
تختلف مقاربات العرب المعاصرين الظّاهرة التّراثيّة باختلاف مستويات المباشرة الّتي يتّخذونها منطلقات لنظراتهم في التّراث وتقويمهم إيّاه، وقد حصر بعض من اعتنى بهذا المشغل مستويات المقاربة في خمسة مداخل بارزة: المفهوم/ المنهج/ العمق التّاريخيّ/ نمط المعالجة/الموقف من الإحياء، وكلّ مستوى يتفرّع فرعين وينقسم قسمتين فيصير التّراث في محيط هذه الرّؤية، مفهوما مشكلا تتعدّد مقارباته وتتنوّع منطلقات النّظر فيه. إنّ تعدّد التّفريعات في مباشرة الظّاهرة التراثيّة دليل على أنّ الآشتغال بالتّراث لا يعني الاندراج في ثقافة ماضية بقدر ما يعني استحضار تمام أمّة من الأمم، عقيدة وشريعة، لغة وأدبًا، عاطفة وعقلا، حنينا وتطلعًا.
وهكذا " فإذا كان الإرث أو الميراث هو عنوان اختفاء الأب وحلول الابن محلّه ]كما تحيل إلى ذلك مادة الأصل المعجميّ "و، ر، ث" في التّقليدين العربيّ والأعجميّ [ ، فإنّ التّراث قد أصبح بالنّسبة إلى الوعي العربيّ المعاصر عنوانا على حضور الأب في الابن، حضور السّلف في الخلف، حضور الماضي في الحاضر".
مفهوم " التّراث" الدّينيّ
لقد حدّد عبد المجيد الشّرفيّ التّراث الدّينيّ تحديدا قصريّـا مخصوصا فهو عنده " لا يشمل الطّقوس والعادات والتّقاليد والعقائد الشّعبيّة وإنّما يقتصر على الآثار المكتوية الّتي تتعلّق بالمواضيع الدينيّة سواء أكانت في ميدان التّفسير أو الحديث أو أصول الفقه أو الفقه ذاته" وهذا الحدّ الّذي جعل التّراث الدّيني، وهو مصطلح عامّ شاملٌ، مقصورا على الآثار المكتوبة الّتي تشمل المواضيع الدّينيّة بمطلق الانتساب تفسيرا وحديثـا وعلم كلام وأصول فقه، يضيّق دائرة الدلالة المفهوميّة ويجعل مسـاحتها منحسرة تتناقضمع مقاربة الأنثروبولوجيـا الدّينيّة الظواهر الإنسـانيّة الّتي يعدّ الدّين مكوّنـا من مكوّنـاتها لا في بعده المدوّن فحسب بل في بعده الشّفهيّ كذلك، لأنّ قيس الأثر الدّينيّ لا يتمّ بالحاصل من المؤلّفات والمعروف من الأفكار والظّاهر من العقائد فحسب، بل إنّ ذلك الأمر يحصل كذلك من خلال تتبّع الطّقوس والعادات ومسـاءلة التّقاليد والعقـائد كما تداولها المجتمع، فهي لدى البعض ممّن اعتنى بالظّـاهرة الدّينيّة، فجـادل مسلّماتها من خلال فتحها على شعب من المعارف متبـاينة ومجـالات من مناهج النّظر مختلفة، علامات على أثر الظّاهرة الدّينيّة في التّداول والممارسة وهو ما يقضي عندنا ونحن نشتغل بالحجاج في الثّقافة العربيّة الإسلاميّة من خلال علم التّفسير ورجاله أن ننظر في التّراث الدّينيّ نظرا متكاملا لا يعزل من منطلق أنثروبولوجيّ بين المكتوب المدوّن والشّفهيّ المتداول، لا بل يعتبرهما مكوّنين متوازيين تُقرأ بهما الظّاهرة الدّينيّة بمختلف أنواعها الخطابيّة ومظاهرها الطّقوسيّة التّعبديّة وآثارها المعنويّة الدّلاليّة ووظيفتها في بيان استراتيجيّات العقل التّفسيريّ العربيّ الإسلاميّ خاصّة والعقل العربيّ الإسلاميّ عامّة، وبذلك يكون التّراث الدّينيّ ضمن منظوريّتنا الّتي استخلصنا معالمها الأولى من مبادئ الأنثروبولوجيا الدّينيّة شاملا المكتوب والمشافه ماسحا المركزيّ الأرثوذوكسيّ والهامشيّ الخارج، لأنّ تعاليم النّظر الأنثروبولوجيّ في الظّاهرة الدينيّة تقتضي تكامليّة المباشرة وتستبعد قطاعيّتها، إذ إنّ الظّواهر الثّقافيّة عامّة تتكامل مهما كانت أشكال صياغتها ومهما تنوّعت طبائع خطابها، لذلك لا ينعزل في تحديد التّراث الدّينيّ المكتوب عن الشّفهيّ الملفوظ كما لا يستقلّ المخزون بين دفّات الكتب والمتداول من آثار العقائد بين النّاس، يفهمون به الظّاهرة الدّينيّة ويتأوّلون بمقتضاه مقاصدها.
بروتوكولات التّعامل مع الظّاهرة التّراثيّة عامّة والظّاهرة التّراثيّة الدّينيّة خاصّة لمّا كان التّراث مفهوما مشحونا بالعواطف والإيديولوجيّات، وجب أن نستنّ لأنفسنا بروتوكولات نتعامل وفقا لها مع الظّاهرة التّراثيّة عامّة والظّاهرة الدّينيّة خاصّة، لأنّ موضوع اهتمامنا منشغل بالخطاب التّفسيريّ العربيّ الإسلاميّ وما انبثق عنه من أنظمة مقاليّة ومقاميّة واستراتيجيّات مذهبيّة لوّنت أنظمته ووجّهت مواقف أصحابه فيه.
وقد ميّز محمد عابد الجابريّ بين صورتين من صور المعرفة بالتّراث: صورة تقليديّة تتقوّم منهاجيّا بما أسماه " الفهم التّراثيّ للتّراث" وصورة عصريّة تتجلّى في المنحى الاستشراقيّ بوجهيه الاستعماريّ التّبشيريّ والوضعيّ التّاريخيّ، فهذان الصّورتان تتميّزان بكونهما تجعلان التّراث مادّة لا حياديّة بل مادّة شاهدا على وجود فكرة بعينها أوانعدام رأي، فكلا الموقفين "التّقليديّ" و"العصريّ" يوظّف التّراث توظيفا إيديولوجيّا لا يستنطقه في أبنيته وأشكاله ومنطق رجاله.
ولمّا كان الأمر على تلك الشّاكلة قدّم الجابريّ تصوّرا يسمح بمقاربة التّراث- وهو المشحون بالعواطف والإيديولوجيّات - "مقاربة موضوعيّة" تمكّن الدّارس من قراءته قراءة نظاميّة تستجلي منطقه ولا تحاكم مقاصده.
وقد لخّص هذا الاعتبار تلخيصا ثنائيّ الأقطاب، خصّص القطب الأوّل لبحث مشكل الموضوعيّة، فهذه اللّحظة في معتقد تفكيره، تدور على حركتين متجادلتين وتمرّ بمستويين متضايفين: مستوى العلاقة الذّاهبة من الذّات القارئة إلى الموضوع المقروء، حيث ينفصل منهاجيّا الموضوع عن الذّات، ومستوى العلاقة الذّاهبة من الموضوع المقروء إلى الذّات القارئة، حيث تنفصل منهاجيّا الذّات عن الموضوع. وهاتان الحركتان تجريان في نسق الجابريّ الفكريّ إلى إدراك "موضوعيّة القراءة" المشتغلة بالتّراث مضمونا وآلات وقد لخّص الجابريّ مسالك الظّفر بالموضوعيّة في خطوات ثلاث متناظمة متكاملة.
* معالجة التّراث بنيويّا من خلال استنطاق نصوصه واستكشاف أنظمته
* تحليل التّراث في تاريخيّته من خلال تحديد أسيقته الخاصّة والوقوف على سماتها المميّزة
* استكشاف التّراث استكشافا يفصح عن محمولاته الإيديولوجيّة ونوازع فاعليه
إنّ هذا المستوى الأوّل من التّعامل مع الظّاهرة التّراثيّة يجعل الدّارس يتخارج عن موضوع دراسته، ليتّصل به في لحظة ثانية اتّصالا يبني مستوى من التّعامل آخر ينظر في التّراث عامّة والتّراث الدّينيّ خاصّة نظرا يستهدي بمبدإ استرسال المكوّنات وبمنطق أثر السّابق في اللاّحق من جهة الجدل والتّفاعل.
إنّ تلك البروتوكولات المستخدمة في قراءة التّراث عامّة والتّراث الدّينيّ خاصّة تحصّن نظرات الدّارس المواضيع التّراثيّة والظّواهر الثّقافيّة من مغبّة السّقوط في التّمجيديّة الّتي ينتج عنها اغتراب الذّات القارئة نظرا ورؤية كما تمنحه قدرة منهاجيّة على تجاوز مواطن التّلبيس الّتي عادة ما تفرزها المقاربات الإيديولوجيّة القائمة على الحطّ والتهجين واعتبار الظّاهرة الدّينيّة وما أفرزته من تراثات مكتوبة وسنن متداولة، دلالة على تخلّف لا يتجاوز إلاّ بقتل العقديّ في النّفس وجعله صامتا لا يتكلّم.
فتعاملنا مع التّراث عامّة والتّراث الدّينيّ خاصّة، تعامل يشتغل بالآلة والمنهاج ولا يُعنى بالأثر النّاجم عن مقاربة التّراث مقاربة فكرانيّة، توظّفه ولا تستكشفه.

الخميس، 22 ديسمبر 2011

عرض: أكادير من خلال معلمة المغرب وندوة أكادير الكبرى


أكادير من خلال
معلمة المغرب وندوة أكادير الكبرى





محاور البحث :

_ I الإطار الجغرافي والتاريخي :
                            1. الإطار الجغرافي
                            2.الإطار التاريخي
                                        2-1. أصل التسمية
                                               2-2. لمحة تاريخية عن المدينة
                                   3 .المطاهرالإقتصادية في سوس:
                          3_1. النشاط الفلاحي.
                                                   3-2.النشاط التجاري.
                         3_3. النشاط الصناعي.
_ II المحور الثاني: المعلمة التاريخية لأكادير ايغير "أفلا".
                             1.تاريخ قصبة أكادير "أفلا".
                             2. مرافق القصبة.
_ III المحور الثالت:أكاذير بين الماضي والحاضر:
                             1.أكادير قبل زلزال "1960".
                             2. حدث الزلزال" شريط وثائقي".
                              3. الحياة في أكادير بعد الزلزال.
الخاتمة.
البيبلوغرافيا.



_ I الإطار الجغرافي والتاريخي :
1.   الإطار الجغرافي:
           تقع مدينة أكادير في أقصى غرب الأطلس الكبير, حيث تنخفض السلسلة الجبلية لتصبح هضبة متدرجة (هضاب إداوتنان), تتصل وتتكامل بين الوسط الجبلي وسهل سوس, أما موضعها الساحلي فهي جنوب النتوءات الأطلسية (المحيط الأطلسي), التي تتقدم داخل البحر. فكانت أحسن النقط الموجودة جنوب المغرب بالإضافة إلى ذلك فمناخها معتدل طول السنة, متأثرا كثيرا بالتيارات البحرية القادمة من المحيط.
           كل هذه العوامل جعلتها نقطة الوصول الوحيدة العابرة للأطلس الكبير, فهي صلة وصل بين شمال المغرب وجنوبه, تلتقي عندها الطرق الرئيسية  القادمة من الشمال (الصويرة, مراكش). وتنطلق منها الطرق الكبرى المؤدية إلى الأقاليم الصحراوية, كما ساعدها مناخها على الاستقرار البشري وجعلها تحضى بمستقبل زاهر فيما بعد.




2.   الإطار التاريخي:
2-1. أصل التسمية:
           تطلق كلمة "أكادير", على المؤسسات أو الأماكن التي تبنى عادة على مرتفع من الأرض يصعب اقتحامه, كما يسهل الدفاع عنه.استعملت هذه التسمية تاريخيا للدلالة على عدة مناطق منها: (مدينة قادس القديمة, القلعة الموحدية بضاحية اشبيلية, مدينة تلمسان, وربما لمدينة الصويرة "موكادور".). بالإضافة إلى المدينة المغربية أكادير الحالية. التي يعتقد أنها كلمة أمازيغية وتعني الجدار أو الحصن, رغم أنه لا تتوفر أدلة أركيولوجية قاطعة على ماهو مرجح لهذه التسمية, وهنا نستحضر الدراسة التي قام بها الأستاذ أحمد صابر,حيث أشار إلى أن مجموع الأسماء التي سميت بها أكادير تناهز العشرين اسما. اندثرت كلها من القاموس المحلي والوطني, إلا اثنين منها "أكادير حاليا" و "فونتي", كما يخص الكلمة الأولى "أكادير" بمنطقة سوس ويقول أنها مذكر مفرد, و"تكديرت"  مفرد مؤنت, "اكودار" جمع مذكر. ويربط الأستاذ أصل التسمية باسم لمدينة في أقصى جنوب  شبه الجزيرة الإيبرية والمعروفة حاليا ب"CADIZ", كذلك يربط أصلها إلى تواجد نوع من السور أو السياج المنيع. الذي كان يحصن المنطقة استراتيجيا, وهنا نقول أننا إذا ذكرنا الاسم, نذكر المقصود القلعة أو السور في الدراسات التاريخية, ويربط الأستاذ التسمية الثانية "فونتي" بالتواجد البرتغالي بالمنطقة, ويقصد بها "عين ماء الأربعين". أو كما كانت تسمى "عين لعربا", فتغيرت وتحولت هذه الدلالات لتبقى راسخة كلمة "فونتي" بعد 1541, تاريخ نهاية التواجد البرتغالي. فكان دالا على ذلك الحصن الذي وضع حول "عين الماء" سنة 1505 أولا. ثم انحرفت دلالته واستبدل باسم أخر يوحى بالصيغة الصليبية  "سانتاكروز" .SANTA GROZ "الصليب المقدس",(الصليب المقدس لرأس ايغير لعين ماء الأربعاء). مما جعل مجموعة من التراكمات الاسمية تصل بنا إلى هذا المعنى السابق, وهي دلالة صليبية جاءت كرد فعل على احتلال المسلمين للأندلس.
2.2- لمحة تاريخية عن المدينة :
        اختلفت الدراسات والأبحاث التاريخية حول تأسيس "مدينة أكادير", ففي حين ربطها البعض بالحركة السعدية في المنطقة وعمليات الجهاد وبناء الحصن, هناك اشارات أخرى تقول بأنها ترجع إلى الفترة الوسيطية حيث يورد ابن الأحمر اسم " قلعة أكادير" في العصر الموحدي, وهذا الطرح يؤكده البكري حيث قال: "وتسير السفن من ساحل نول إلى وادي السوس ثلاثة أيام, ثم من وادي سوس إلى مرسى أمقدول. وهو مرسى مشتى مأمون, وهو ساحل بلاد السوس.". من جهة أخرى, تقول بعض الدراسات أن المدينة لم تبرز إلا مع الإحتلال البرتغالي وبالتحديد سنة 1505م, وخاصة مع التطور التجاري والإقتصادي للبرتغالين والذين دفعهم ذلك إلى مزيد من الاكتشافات الجغرافية, فأسس المغامر البرتغالي جان لوبيير دوسبيكرة "سانتاكروز" سنة 1505م. وكذلك مع تعيين الملك البرتغالي عاملا له على هذا المكان,والذي قام بتحصين المكان. بل استطاع على مايبدوا إقامة علاقة طيبة مع الحكم الوطاسي. الأمر الذي مكنهم من توسيع نفوذهم التجاري والإقتصادي واستغلالهم للأراضي الزراعية المجاورة, هذا ماسيؤدي إلى رد  فعل السكان  والمتمثل في طلب الجهاد ضد الوجود البرتغالي.

      هنا جاءت الإشارات الأولى المكتوبة عن عمارة أو نشاط هذا المكان, والتي تعود إلى (911هـ/1505م), وهي فترة انهيار الحكم الوطاسي وبداية الحركة السعدية "التكمدارتية". التي انطلقت على أساس الجهاد, فكانت مجاهدة البرتغالين في "أكادير" أولى انطلاقاتها. حيث كان لابد من البحث عن أمير وإمام للجهاد, فبحث أهل سوس عنه وأجمعوا أمرهم على "محمد بن مبارك الأقاوي" الذي وجههم بدوره إلى أحد الشرفاء بدرعة وهو "محمد بن عبد الرحمان الزيداني" التكمدارتي لقيادة الجهاد. فكان يدعوا إلى الجهاد وتوحيد الصفوف. فاجتمع له حوالي 500 مقاتل (50 قبيلة, 10 أشخاص من كل قبيلة بأسلحتهم). فبدأ نصيب أكادير من الجهاد في 18 غشت 1511 مع أول هجوم لأحمد بن عبد الرحمان "الأعرج" ضد البرتغاليين, حيث منع أحمد كل تعامل مع المحتلين تجاريا, وقطع العلاقة مع أيقبيلة لها اتصال بهم ليستمر الحصار, ويضطر البرتغاليين إلى التفاوض مع قادة الجهاد سنة 1523, حول الهدنة وتستمر بعد ذلك المعارك إحدى وثلاثين سنة من (916هـ إلى 947هـ). بل يسقط الحكم البرتغالي في المدينة سنة (947هـ/1541م), الأمر الذي أكدته جل الوثائق الأوربية عن المرحلة.


جانب من المعارك التي جمعت الدولة السعدية بالبرتغال


-         وفيما يلي المحطات التاريخية المهمة التي وقعت بأكادير:

      كان يطلق اسم مسكينة على أكادير منذ القرن 12 الميلادي، وليون الافريقي سمى قلعتها بأكادير غوارغيسيم أي إيكسيمن.

       في سنة 1325 – 1339 : ورد ذكر اسم - أكادير إيغير- في خرائط هذه الفترة حينما نزلت مجموعة من سفن الاكتشافات البرتغالية بسواحل هذه المنطقة ووجدوا فيها عينا جيدة وسكان مع إبلهم وكان هناك مالكون أمازيغيون ويسمونهم - أهامس العربا - أي إيمغارن العربا أو إينفلوسن العربا.

      في سنة 1480 : ظهر اسم - أغوا دو ناربا - ويطلق على أكادير وقبله كان يطلق عليه اسم بورطو مسكينا أي مرسى مسكينة.
     في سنة 1505 : أسس القائد البرتغالي جواو لوبيز دوساكيرا في الأشهر الستة الثانية من سنة 1505 القلعة المعروفة باسمهم في ساحل أكادير والواقعة أسفل تل القصبة العليا أو أكادير أوفلا وقد كانت في مكانها قصبة قديمة بناها سكان أهل سوس قبل مجيئ البرتغال.
في سنة 1510 : بعث أهل ماسة رسالة الى ملك البرتغال إيمانويل الأول.
في سنة 1513 : اشترى الملك البرتغالي دون مانويل حصن أكادير الواقع أسفل تل أكادير أوفلا من مؤسسه البرتغالي جواو لوبيز دوساكيرا.
        ولقد كان الفرنسيون منذ أواخر القرن 19, يرون في موقع أكادير أهم الموانئ الموجودة في الساحل المغربي, حيث كانت فرنسا في حاجة إلى مركز شاطئي متقدم نحو الجنوب لتستطيع عبره تقديم العتاد العسكري للحركات التي انطلقت من مراكش لطرد "الهيبة" من تارودانت خصوصا بعد اكتشافها النفوذ الكبير لبعض القياد على منطقة سوس خاصة, وباقي المناطق بشكل عام. قبل أن تصل إليها القبائل الموالية "للهيبة", وكذلك قبل أن يتقوى بها النفوذ الألماني. وهذا ما تجسد في أخر الأمر بهزيمة "ماء العينين" وتحالف بعض القبائل مع فرنسا وتعزيز النفوذ الفرنسي. ونهج سياسة السيطرة من خلال القياد.  [ إن القائد يحلب البقرة المغربية,بينما يمسك الفرنسي بقرونها ], فكان العكس صحيحا: [ إن الفرنسي يحلب البقرة المغربية, بينما يمسك القائد بقرونها ]. لترجع مدينة أكادير إلى حظيرة الوطن بعد الإستقلال شأنها شأن باقي المدن المغربية.
            عبر القرون الموالية. ازدادت شهرة مدينة أكادير, وكانت ألمانيا من بين البلدان التي اهتمت بها ليس فقط باعتبارها مدينة سياحة مثالية. تعرف صيفا يدوم اكثر من  300يوما في  السنة. بل كذلك باعتبارها مركز عبور التجارة الإفريقية. فقبل الحرب العالمية الأولى، سنة 1911م، أرسلت ألمانيا باخرة حربية للمغرب من أجل حماية مصالحها بميناء أكادير, و كرد فعل سريع، أعلنت فرنسا حمايتها للمغرب من دون المطالبة به كمستعمرة تامة.

        ولقد جلب الفرنسيون الكثير من الهندسة التحتية للمغرب. ومرة أخرى استرجعت مدينة أكادير مركزها كميناء دولي مهم مند سنة 1913م, خلال الثلاثينيات وطول الخمسينيات، بدل الفرنسيون جهدا كبيرا من أجل تحسين وظيفة الميناء، وكذا قدراته في الصيد في أعالي البحار.
 
3.   المظاهر الإقتصادية في سوس:
3_1. النشاط الفلاحي:
          تشير المصادر الوسيطية, عن وفرة الإنتاج الفلاحي في منطقة سوس فقد أشار ابن حوقل إلى غنى المنطقة حيث قال:" ليس بالمغرب كله في بلد أجمع ولا ناحية أوفر وأغنى وأكثر خيرا منها".كما نجد إشارة البكري إلى الثمر والسكر, كذلك أشار ابن خلدون إلى الزراعة وقصب السكر.
           ويؤكد سائر رحالة القرن 16, أن منطقة سوس كانت خصبة جدا, كثيرة القمح والشعير والماشية. ورغم ذلك فإن المنطقة لم تعد قادرة على سد حاجيات السكان الداخلية, وهذا ما يبرز محاولة الدولة السعدية رفع الإنتاج, وهناك عدة عوامل أثرت بالنشاط الزراعي بالمنطقة.
أ_أهم المؤثرات في النشاط الفلاحي بسوس:
 أولا: - ارتباط الزراعة بالمناخ:
               فالإنتاج الفلاحي بالمنطقة يقل ويكثر  حسب الفيضانات, وهناك إشارة لحسن الوزان حيث قال:"يحرثون أرضهم عندما يفيض النهر...,وإذا لم يحدث الفيضان استعدمت الغلة."
ثانيا: - الأمن:
            فللأمن دور هام في استقرار النشاط الفلاحي, لأن الإستقرار يؤدي إلى ارتفاع الإنتاج الفلاحي, في حين انعدام الأمن والإستقرار يهدده (حرق المحاصيل,....).

ب_بعض الإشكالات التي ساهة في تراجع مردودية المنتوجات الفلاحية في سوس:

1/ الإشكال المناخي:         - زراعة السكر, زراعة المناطق المدارية الحارة الرطبة, مما     ...                .             سيؤدي إلى ضعف جودتها في الجهة لأن المناخ معتدل.
2/ إشكال المنافسة:        - المنافسة الخارجية لبعض المواد, حيث تكون ذات جودة ..       .                                   عالية وبأثمان معقولة.
3/إشكالية الإنهيار القبلي:   - حيث تؤثر الصراعات القبلية في مردودية الإنتاج الفلاحي.

        أما الفترة الحديثة, فزراعة الحوامض والخضروات من أهم الأولويات في النشاط الفلاحي, حيث اعتبر قطاعا اقتصاديا رائدا في الجهة, رغم الظروف المناخية الصعبة, فالمساحة الصالحة للزراعة لا تتعدى %8.6. وتعتبر مصدرا مهما للعملة الصعبة، و مشغلا هاما لليد العاملة، فضلا عن تطويرها للصناعة الغذائية. فهي زراعة موجهة للتصدير، تجعل من جهة سوس ماسة درعة أكثر تنافسية ومنفتحة على مختلف مناطق العام بالإضافة إلى الزراعة، تعد تربية المواشي قطاعا مكملا لها، فهي مصدر رئيسي لدخل الساكنة القروية، خاصة المناطق التي لا تسمح بقيام زراعة مهمة. ويتميز هذا القطاع بسيادة الرعي التقليدي الواسع، إذ لا زالت الجهة تتميز ببعض أشكال الرعي التقليدي وشبه الترحال. استفادة من جهة أخرى بالمواد الطبيعية بحوالي% 19.1 من المساحات المتواجدة على الصعيد الوطني.
        بالإضافة إلى الموارد المائية, حيث تتوفرالجهة كذلك على تسعة سدود كبرى ومتوسطة, وأربع قنوات لنقل المياه. وتبلغ حقينة السدود 371 مليون متر مكعب في السنة وهوحجم يمثل%70من الموارد المائية الممكن تعبئتها بحوض سوس- ماسة.أما التساقطات المطرية، فيلاحظ أن هناك تباينا في التساقطات من حيث الزمان والمكان وتتراوح ما بين 70 ملم و350 ملم وهي كمية ضئيلة تنعكس سلبا على الموارد المائية الجوفية والسطحية.

3_2. النشاط التجارية:
           نظم السعديون التجارة في مدينة أكادير, واهتموا بتجارة القوافل التجارية وإحيائها, بالإضافة إلى ذلك الإهتمام, اهتموا بالطرق التجارية الداخلية . يذكر ابن القاضي:" أن الدولة السعدية أول ما اهتمت به هو الطرق التجارية فمهدت الطرق للمسافرين بمنازل وخيام....".

          وكانت الدولة السعدية تسعى في هذا الاتجاه إلى ضرورة تأمين الطرق التجارية وخاصة على عهد "المنصور", الأمر الذي يهدد طريق التجارة بل يكون في بعض الأحيان سبب تغيرها فكانت في تلك الفترة بعض الطرق مهددة من طرف قطاع الطرق, والذي أدى إلى تحويل التجارة لتصبح طرقا بحرية .

        شكل ميناء أكادير عاملا أساسيا في التجارة الخارجية, ومع ذلك كانت التجارة الخارجية تعرف نوعا من التدبدب عبر فترات تاريخية (المرابطين, الموحدين), عرفت فيها انفتاحا خارجيا لكن مع جهود السعديين للإنفتاح مع الخارج إلا أن الإقتصاد المغربي ظل مغلقا تائها, وكانت السلع المتاجرة في تلك الفترة تشمل (السكر, والعبيد, والمعادن). فكانت مدينة أكادير نقطة انطلاق للتجارة. استفاد البرتغاليون من هذا الوضع, فكانت خسارتهم كبيرة في خروجهم من أكادير.

    كما قلنا أول الأمر, يعتبر الميناء في أكادير من أهم الموانئ في افريقيا. فاستولى السعديون على إمكانياته وسيطروا على حركة التجارة فيه. فرفعوا من أثمان المواد المغربية وتحكموا في "العرض والطلب.".


شواطي مدينة أكادير سنة 1915
3_4. النشاط الصناعي:
       إن أول ما يصادف الباحث في هذا المجال هو قلة المصادر حول هذا القطاع, فالانطلاقة الحقيقية للصناعة في أكادير ابتدأت مع القطاع المنجمي لكن المادة المصدرية فيما يخص المعادن وطرق استخراجها ظلت طئيلة, فنجد كتاب "معادن المغرب" للعربي الفاسي, رغم أنه لا يتكلم عن تحويل المعادن, بقدر ما يتكلم من الناحية الفقهية علي حكم ذلك .

       ولعل الإشارة الواضحة جاءت مع كتاب "روضة التحقيق" للديماني. الذي تحدث عن احياء مناجم أقا كما كشف الجهود التي قامت بها الدولة السعدية لاستكشاف المناجم خاصة مناجم النحاس.

      والملاحظ أن كتب الرحالة ركزت على أنواع المعادن وكذا طرق استخراجها في حين اختلفوا على نوع المعادن, هذا يقول "حسن الوزان":( من الأرض كمية كبيرة من الحديد تباع في كل الجهات), لكن مارمول تحدث في نفس المكان عن معدن أخر هو النحاس وأن الحديد لم يكتشف إلا في سنة 1539م.

_ II المحور الثاني: المعلمة التاريخية لأكادير ايغير "أفلا".
1.   تاريخ قصبة أكادير "أفلا".
         هناك على قمة التل الذي يشرف على مرسى أكادير الحالي توجد القصبة التي يكون لزاما على المهتمين أن يزوروها اعتبارا لما احتفظ لها به التاريخ من ذكر جميل, نظرا لما قامت به من دور بطولي لا يبلى. في ذلك اليوم المشهود الذي عاشته المدينة يوم السبت 14 ذي القعدة سنة 947هـ الموافق 12 مارس 1541م, عندما أجهز المغاربة بقيادة ملكهم محمد الشيخ السعدي على الوجود البرتغالي بأكادير.الذي كان البداية الحاسمة للقضاء عليه في سائر مستعمراته بالجنوب المغربي
    حيث ورد في قطعة شعرية حزينة للشاعر فيكانيي دالة على هذا الحدث فقال : "لقد كانت سانطا كروز أول سكرة من سكرات الموت التي أخذت تدب في جسم البرتغال، تمثل في أصيلا والقصر الصغير النزع الأخير"، أما الجديدة فيمكن أن تشبهها بنعش بقي معروضا أمام المعزين في ليلة طويلة كئيبة.



       لم تختلف المراجع والمصادر والوثائق التاريخية كثيرا عن اسباب تاسيس قصبة اكادير أوفلا، وتاريخ التأسيس وشخصية محمد الشيخ السعدي المؤسس، وقد جاءت فكرة تأسيس القصبة أساسا لمحاربة الإستعمار البرتغالي بالمنطقة وبالشواطئ الأطلنتية المغربية، إذ مهدت القصبة لطرد البرتغاليين من المغرب. قصبة أكادير أوفلا أو كما سماها البرتغاليون قصبة البيكو EL bico لكي يميزوها عن قصبتهم سانتا كروز دوكاب دوكير البرتغالية.
      وهي قصبة شيدت على قمة التل الذي يشرف على مرسى لأكادير الحالي،وتعتبر الشاهد الرئيسي على تاريخ مدينة أكادير  والأدوار التي لعبتها إذ يكفي الإشارة إلى أن ميناءها كان حلقة وصل بين المغرب وأوربا وإفريقيا.


 
        يرجع تاريخ تأسيس القصبة إلى العقد الرابع من القرن السادس عشر الميلادي، في عهد محمد الشيخ السعدي، حيث جاء في ابن القاضي في معرض مآثر أبي عبد الله محمد الشيخ السعدي،"إنه أول من اختط مرسى أكادير بالسوس الأقصى سنة سبع وأربعين وتسعمائة 947هـ الموافق 1541م. لما أجلى النصارى من الوضع المعروف بفونتي على مقربة من أكادير المذكور،وكان له في اختطاطه راي مصيب وفراسة تامة".

     ويقول الاستاذ المختار السوسي : " كان مكان أكادير يسمى في القديم إيغير أوفرني، وإيغير بالشلحة هو المنكب بالعربية – أي انف الجبل الداخل في البحر مثلا – وإيفرني محل في شمال أكادير، فيقال أكادير إيغير أي حصن المنكب ".

     وتجدر الإشارة, إلى أن "بن القاضي" في حديثه عن المرسى التي تكون عادة ملاصقة للبحر. عوض كلمة المرسى في العنوان بكلمة الحصن, الذي يوجد في أعلى التل، ووقع عدد من المؤرخين في الخلط بين الميناء والحصن، وبين الموقعين كما نعلم أنها مسافة تحتاج إلى الجهد، وكان هذا على نحو الذي وقع فيه آخرون عندما لم يميزوا بين"اكادير وإغير"كان مكان أكادير يسمى في القديم إغير إفرني، ولاشك أن أكادير – الحصن- الذي بناه محمد الشيخ الأول السعدي سنة 947هـ (1541) يقع على جبل عال منعزل، وقد جاءت فكرة تشييد قصبة على قمة المرتفع الذي يهيمن على الموقع البرتغالي، وحسب تقرير كتب حول سقوط هذا الموقع البرتغالي فإن السلطان مولاي محمد الشيخ ابتدأ يوم 26 شتنبر 1540/ 24 جمادى الاولى947هـ. في تشييد قصبة على قمة المرتفع وقد أحاطها ببروج (صقالات) محصنة في ظرف أقل من شهرين…ونصب هناك زهاء أربعين أو خمسين مدفعا.
      وهكذا فإن اللبنات الاولى للقصبة كانت من وضع محمد الشيخ في إطار الإستعداد لتضييق الخناق على البرتغال. وهكذا يستنتج ان محمد الشيخ السعدي هو أول من بدأ في تشييد قصبة أكادير أوفلا.
      وبعد تحققيق النصر على المحتلين، اهتم السعديون بالميناء واستغنوا فيما يظهر عن القصبة، لكنهم لم يلبثوا بعد وفاة محمد الشيخ أن عادوا إلى الإعتناء بها فقد وصلت الأخبار إلى السلطان مولاي عبد الله بن محمد الشيخ سنة 1575م/979هـ, بأن "دون سيبستيان" ملك البرتغال سلح أسطولا قويا في لشبونة، الأمر الذي شغل السلطان المغربي المذكور الذي خشي أن يكون القصد من هذا الإستعداد هو التوجه لضرب"سانطا كروز". وكان هذا هو السبب الرئيسي الذي جعل مولاي عبد الله ابن محمد الشيخ السعدي, يأمر بإعادة بناء القصبة بناءا متينا وفي مدة زمنية قصيرة. ولتمكين المولى عبد الله من إنجاز العمل المتمثل في إعادة البناء في اقرب ما يكون. جهز إليه الفي نفر من المرتزقة والأتراك إلى جانب أربعة آلاف فرس من اجل تحقيق هذا الهدف، الامر الذي مكن فعلا من إنهاء العمل في ظرف سبعة شهور. وقصبة أكادير أوفلا عمل خاص من أعمال الغالب بالله،عكس ماذهب إليه البعض على أن القصبة كانت تحتفظ ببقايا الحصن البرتغالي.

       ولقد بدأ عبد الله الملقب بالغالب بالله إعادة بناء هذه القصبة في سنة 1572م, أي بعد21 سنة من تشيدها على يد محمد الشيخ السعدي سنة 1541م. وعلى باب القصبة لوحة رخامية مغروسة فيه, تحمل تاريخ 1746م, وهو تاريخ مهم في الحياة السياسية والدبلوماسية, سيطرة محمد الشيخ على أكادير, وفتح العلاقات الإقتصادية مع الهولنديين ومنحهم الإذن بالتجارة. وبالتالي فاللوحة الرخامية وثيقة تاريخية على العلاقات الدبلوماسية مع الهولنديين.

        فماذا عن هذه الوثيقة ؟


رخامة مستطيلة الشكل بأطراف مقوسة كتب فيها إلى جهة اليمين بخط بسيط في سطرين:
الحمد لله على خاطر سيدنا المنصور بالله
بينما كتب على جهة اليسار هذه الكلمات في سطرين باللغة الفلامية :

VREEST GODENDE
EERT DEN KOONING
        ويفصل بين الجملتين شكل شبه بيضوي, داخله صورة قلب محفور وسط الرخامة, رسم فوقه باللغة اللاتينية السين مرتين "SS" تحته نجمة سداسية, وقد ارتبط بالقلب خط عمودي يقاطعه خطان أفقيان يشبهان صليب لورين "LORAINE"  ويحيط بالقلب من الجهة السفلى رسم سنبلتين, وتحت هذا الشكل مباشرة نقش التاريخ (1746). وتحت الرخامة نجمة خماسية وسط دائرة.
        وتطهر على اللوحة الرخامية بعض الشقوق, والتي لم تكن عندما غرست على الحائط, وإذا ما ربطنا هذا الأمر بالزلزال الذي ضرب أكادير تسع سنوات فقط بعد تاريخ النقيشة, يوم 26 محرم 1169 الموافق ل 01 نونبر 1755.
      وقد تعرضت هذه القلعة سنة 1960 لزلزال عنيف دمرها كليا وأصبحت الآن عبارة عن أطلال تخفي تحت ترابها وأحجارها آثار حضارة عريقة وتاريخ مجيد.

2.   مرافق القصبة:


صورة توضح جانب من المرافق في القصبة
وأهمها:
v    سور خارجي مدعم بأبراج وله باب مصمم بشكل ملتو وذلك لأغراض دفاعية.
v    مسجد كبير.
v   مستشفى.
v   مبنى الخزينة والبريد.
v   منازل وأزقة وساحات صغرى.
v   ملاح, وهو حي خاص باليهود معبد.
vأضرحة من أهمها :
o        ضريح سيدي بوجمعة أكناو. خاص بطائفة كناوة.


صورة من الزيارة الميدانية توضح ضريح بوجمعة أكناو

o   ضريح للايامنة.

3.   الزيارة الميدانية للقصبة (أنطر الصور والأشرطة).

_ III  المحور الثالت:أكاذير بين الماضي والحاضر:

 1.أكادير قبل زلزال "1960".

         لقد ارتبطت نشأة مدينة أكادير بتواجد البحر، هذا العنصر الطبيعي كان سببا في صراع الدول الاستعمارية على المنطقة، كما كانت نقطة استقطاب لاستقرار السكان الأولين بها، بعد أن وفرت لهم جميع الحاجيات، يقول الدكتور عبد الفتاح محمد وهيبة في هذا الصدد "بدأت قصة المدينة بتجمع هؤلاء الأفراد في مكان معين، يسهل وصول الغداء إليه بكميات كافية". هذه القولة تعبر عن الإستقرار الأول بالمدينة، المرتبط بالبحر بالدرجة الأولى، كمصدر أساسي يحقق الإكتفاء الذاتي للسكان.
       فانطلاقا من التشكيلة الديموغرافية التي أشرنا إليها سابقا والمتمثلة في النواة الأساسية للمدينة  (حي فونتي) و(حي القصبة) , سنجد أن معدل الكثافة السكانية لم يتجاوز 700 نسمة. وقـد اتفق معظم الباحثين والدارسين على كون مدينة أكادير، لم تكن سوى تجمعات سكنية، لم ترق إلى مستوى المدينة، فحي "فونتي" كان يقطن به 300 سـاكن، أما القـصبة 400 ساكن، ورغـم ذلك كـان من الصعب تحديد عدد السكان نظرا لوجود أجناس أجنبية مندمجة بينهم. لكن في ظرف نصف قرن تقريبا 1913 إلى 1960، ازداد عدد السكان ليصل إلى 4500 نسمة، ويرجع ذلك لأسباب:


صورة جوية لمدينة أكادير قبل زلزال 1960


مرفولوجية المدينة:

     في كتاب معروف باسم ( Chronique do Santa . Cruz du cap do Gue AGADIR ) ألفه برتغالي مجهول الاسم، كان مقيما بحصن أكادير منذ أن وصل إليه ما بين 1525 و1530 حين سقوطه في يد المغاربة. تحدث في هذا الكتاب عن الأحياء الهامة التي تضمنتها المدينة وهي كالتالي:

1
ـ قرية فونتي: وهي توجد بمقربة من البحر، ومحاذية لمرسى أكادير، وذكر بأنها هي أصل "سنتاكروز" التي هي نفسها، "سانت كروا" التي أسماها البرتغاليون عام 1905، ومكثوا فيها قرابة 72 سنة إلى أن أخرجوا منها على يـد الشيخ السعـدي سنة 947 هـ.
2
ـ القصبة العليا: أو ما يطلق عليه "أكادير أفلا" وهو بناء مسور على تل فوق فونتي، بناه محمد الشيخ نفسه سنة 947 هـ ليكون مرقبا لاستكشاف البحر.
3
ـ قرية تلضي أو برج تلضي: تقـع في موقع جبلي على بعد نصف ميل من القصة، في جوف البلاد، وأصبح مقرها الآن بمقبرة، وهي في تراب قبيلة "مسكينة"، وواضح أن تلضي هي محل تالبرجت التي كان معظم سكان أكادير يستقرون بها قبل الزلزال، وتقع في شمال التخطيط الجديد للمدينة ما بعد الزلزال.

4
ـ قرية إحشاش: "جمع إحشوش بمعنى العريش" وقد علق عليها المؤلف بأن سكانها الأوائل هم من يتبعون جيش الاحتلال للاتجار معه، ثم سكنها العمال والضعفاء، ثم صارت حيا من أحياء المدينة" (المختار السوسي "إيليغ قديما وحديثا" ص 172.) ووصفها كذلك بقوله "إنها قرية كبرى للعملة فيها خلق كثير تجاور "تالبرجت". (المختار السوسي "خلال جزولة" الجزء الأول تطوان - المغرب بدون تاريخ ص 51

2. حدث الزلزال" شريط وثائقي".
4.    الحياة في أكادير بعد الزلزال :
3-1.   أكادير بعد الزلزال.
         بعد مشاهدة الدمار صرح محمد الخامس: «لئن حكمت الأقدار بخراب أكادير، فان بنائها موكول إلى إرادتنا وعزيمتنا». أكادير الجديدة بنيت على بعد 2 كم جنوب المدينة القديمة.   
    أتى زلزال ليلة 29 فبراير 1960 على الجزء الشمالي للمدينة (القصبة، إحشاش، فونتي)، الذي يقع على منطقة جد مطوية منكسرة وغير مستقرة ، كما تسبب في أضرار كبيرة ومتفاوتة ببقية المدينة (تالبورجت، الحي الاداري، المدينة الجديدة…)، وتجاوزت الخسائر البشرية 15000 ضحية، وكان عدد الجرحى قد وصل إلى ما يزيد عن 30.000 جريح منهم 12000 في حالة خطيرة.  


جانب من  انتشال الضحايا من تحث الركام بع الزلزال.

    المدينة الجديدة بشوارعها الفسيحة وبناياتها الحديثة ومقاهيها لا تبدو كالمدن المغربية التقليدية. وهي ثاني مدينة سياحية بعد مراكش لشواطئها الزرقاء وسمائها الصافية.
          بعد أن خرج الفرنسيون من المغرب في الخمسينيات، هز مدينة أكادير زلزال هدم قسما كبيرا من التراث التاريخي للمدينة: بنايات، مساجد وكذا بنيات ثقافية هامة. اعتبرت ألمانيا هذا وقتا ملائما لدخول مدينة أكادير ومساعدتها. وبذلك تم تعمير مدينة أكادير بطريقة سريعة، على شكل ألماني، و أصبحت المدينة مركزا للعطل ونقطة إنطلاق للرحلات إلى الصحراء والمدن المجاورة مثل تارودانت، تيزنيت، تافراوت ومدينة الصويرة.


نسب الخراب الذي خلفه زلزال أكادير سنة 1960
الأحياء
نسبة الخراب
القصبة احشاش فونتي
100 %
حي تالبورجت
90 %
الحي الإداري
70 %
الواجهة البحرية
60 %
المدينة الجديدة (نعل الفرس)
50 %  إلى  60 %
الحي الصناعي
20 %  إلى%  50
اغزديس
10 %  إلى 20 %
أنزا
0 % إلى 10 % 


3-1.انتعاش القطاع الساحي بأكادير:
النشاط السياحي هو قطاع حديث بالمدينة ارتبط بإعادة بنائها بعد الزلزل وقد عرف تطورا سريعا حيث أصبحت المدينة وجهة سياحية مهمة للسياح الأجانب بالمغرب, فهي تهيمن على %21 من الطاقة الإيوائية و %23 من مجموع السياح القادمين إلى المغرب تستفيد كذلك من%34 من مجموع المبيتات الفندقية, أي ما يفوق 3 ملايين مبيثة في السنة هذا التزايد يفسر بعدة عوامل :
ü             ظروف طبيعية مواتية, تتلخص في امتداد شاطئ رملي على طول (9 كلم), ومياه هادئة, وارتفاع نسبي لدرجة الحرارة خلال فصل الشتاء.
ü             إقبال وكالة الأسفار السياحية الدولية على منتوج أكادير.
ü              برمجة القطاع السياحي ضمن الأولويات في ادارة المخططات الإعدادية بالجهة.

     حاليا، تقدم مدينة أكادير مرافق غير محدودة و مختلفة للطبقة العليا والمتوسطة بالإضافة إلى عدد هائل من الأنشطة في الهواء الطلق. في أكادير يمكن أن يمضي الإنسان يومه بممارسة لعبة الغولف أو الملاحة، كرة المضرب أو الفروسية واللوح الشرعي.

      إذا لم تكونوا بمزاج للأكل الكسكس في العشاء، فأكادير تقدم تنوعا كبيرا في المؤكولات الدولية، فبفضل مطاعمها المتنوعة، مقاهيها ، سوف تتمكن من الاستمتاع بخليط لبناني، ايطالي، اسباني، وحتى صيني. أما بالنسبة للذين يحبون التسوق، فإن أكادير تمنح لزوارها منتوجات مختلفة حيث يمكن الذهاب إلى البازارات المحلية واقتناء الأحجار الكريمة، مواد الطين، التوابل، الشاي وكذا مواد الجلد والذهب والفضة. أما الأنشطة التي تتبع العشاء شرفة المقاهي، موسيقى الهواء الطلق والمقاهي الفنية.
      وللمدينة موقع مهم على خريطة السياحة المغربية، ففيها اكبر عدد من الفنادق والدولة تعمل لتعزيزها كوجهة سياحية، كما انها تعتبر من اغلى المدن المغربية


الخاتمة.

      إن دراسة مدينة أكادير, تثبت بلا شك بكل المحطات التاريخية التي مرة منها المدينة من التأسيس إلى الإحتلال البرتغالي, فالتحرير السعدي. كذلك مرورا بالكل الدول التي تعاقبت على حكم المنطقة, و الإحتلال الفرنسي وزلزال 1960, أنها قادرة على تحدي كل أنواع الضغوط والإكراهات البشرية والطبيعية لتستمر في النمو الإزدهار. بل ولتصل مكانة وطنية ودولية مهمة من خلال إقامة مجموعة من المهرجانات الثقافية والإقتصادية والمعارض الدولية في صيد الأسماك والفواكه والمنتجات الصناعية الأخرى.
       والتساؤل المشروع إلى متى ستعاني بعض المناطق التابعة للمدينة من التهميش وقلة الرعاية من طرف الجهات المختصة ؟




البيبلوغرافيا.


-         معلمة المغرب الجزء الثاني.
-         أعمال ندوة أكادير الكبرى (المحور التاريخي).
-         أعمال ندوة أكادير الكبرى (المحور الثقافي).
-         أعمال ندوة أكادير الكبرى (الجغرافية والتعمير).
-         العربي الفاسي, "معادن المغرب",مخطوط الخزانة العامة بالرباط, رقم ك 2130.
-         الناصري,"الاستقصاء في أخبار المغرب الأقصى",دار الكتاب,الدار البيضاء,1955.
-         جامع بيضا, "سقوط أكادير تحت الإحتلال الفرنسي".
-         المختار السوسي ," المعسول" ج 15.
-         حسن الوزان," وصف افريقيا", تحقيق وترجمة محمد حجي ومحمد الأخضر 1982.
-          علي ابن الحسين بن محمد بن موهوب الديماني." روضة التحقيق في ذكر مناقب ابي بكر الصديق".
-         ابن حوقل,"صورة الأرض", مطبعة بريل Brill 1872, بيروت, مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية, سلسلة التراث,1997.




Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Powered by Blogger