تقاليد الزواج في قبيلة "إداوسارن" بـ "إحاحان"
فـي بـلادنـا الـكثــير من العـادات والتـقـاليد المـختـلفة والمـتنـوعة وأغـلبـها مسـتمـدة من الثـقـافـة الأمـازيغـية، ومن بيـن هذه الـعـادات هنـاك ما يـخص الاحتـفـال بالزواج، فانـطلاقا من كونه حـصن حصين، و ركن متين، وأعرق المؤسسات الاجتماعية منذ وجود البشرية على وجه البسيطة، وجعل لحفظ الأعراض و الأنساب و لعمارة الأرض، فأسر "إحاحان" تحرص كل الحرص على الزواج المبكر سواء لدى الذكور أو الإناث.
تـخـتـلـف طـرق الاحـتـفـال بالـزواج في قبـائل"إحـاحـان" من قبــيلـة إلى أخـرى، لكــن مراسـم العـرس الأسـاسـية أو"تـامغـرا" تبقـى ثـابتـة وهـي الأصل السـائـد، والمتغير هو بعض الأبيـات الشعـرية والرقصات والموسيقـى المصاحبة للاحتفال، وكذا التنوع في المأكولات التي تقدم للضيوف.
فأين "إحـاحـان "من التاريخ؟ وما هو مجاله الجغرافي بين الأمس واليوم؟ وماهي تقاليد هذه المنطقة، وبالخصوص ما يتعلق بمراسيم الاحتفال ب "تامغرا" وخاصة في قبيلة "إداوسارن"؟
تعد قبائل "إحاحان" من قبائل "المصامدة" و من جملة شعوب البرانس⁽¹⁾، وتعرف عند المؤرخين باسم "حـاحـة" ، لكنها تعـرف لدى السكان الأصليين ب "إحاحان"، وهو اسم قديـم ضارب في أعمـاق التـاريـخ وذلك مـنـذ حتـى مـا قـبـل الإسـلام . تختلف حـدود "إحـاحـان" باختـلاف العـصـور، فـحسب المصادر القديمة فهي في الـقديـم منطـقة شـاسعة تمتد إلى مدينة "تـادنست"⁽²⁾ شرقا، وتتجـاوز دكـالة شمالا، وتمتد إلى "ســوس" جنوبـا، ومن الغرب يمتد السـاحـل المـتـمـيـز بخليــج ظـل المنـفذ الأسـاسـي نحو العـالم الخـارجـي⁽³⁾. وفـي القـرن 12م تقلص مـوطن "إحـاحـان" من الشمـال، وذلك بسبب دخــول قبــائل "بـنـو هـلال" العـربيـة إلـى المـنـطـقة بعد أن استقدمـهـم "يـعقـوب المنصـور" من "إفــريـقـية"⁽⁴⁾، تـدفـق هـؤلاء على المنطقة واختلطوا بالسكان الأصليين⁽⁵⁾، وهكذا تقلص موطن قبائل "إحاحان" .
موقع وحدود "إحاحان" أيام الدولة السعدية
من كتاب"وصف إفريقيا" ص94
في الوقت الراهن تقتصر قبـائل "إحـاحـان" علـى المنـطقـة المحصـورة بين مديـنة الصويـرة شـمـالا ومدينة أكادير جنوبا، ويتكون "إحاحان" من إثنا عشرة قبيلة وهي كالأتي:
◄المجال الشرقي الجبلي: إداوبوزيا- أيت زلطن- إداوزمزم- أيت عيسى
◄ مجال الوسط الهضبي: إنكنافن- إمكراض- إداوكازو- إداوتغما
◄ المجال الساحلي : إداوكرض- إداكيلول- أيت آمر- إداوسارن
من بين قبائل "إحاحان" هناك قبيلة "إداوسارن" ، وهي ثانـي أكبر القبائل"الحيحية" بعد قبيلة "إداوبـوزيا"، ويحدها من الشمال قبـيلة "إداوكرض"، من الجنـوب "إداكـيلـول"، ومن الشرق قبيلتي "إنكنـافن" و "إمكراض"، ويحدها غربا سـاحل المحيـط الأطلسـي ، ويتوسـط هذا الساحل ميناء "تافضنا" التاريخي، والذي زاره "الحسن الوزان" أو"ليون الإفريقي" سنة 1514 م⁽⁶⁾، وتـوجد بهذه القبـيلة آبـار استخراج الملح في كل من "أزلا" و "إداويعزا"، وتضم أيـضا أقـدم صـومـعة أثـريـة فـي "إحـاحـان"، وهـي صومـعـة مسجد "سـيـدي بوســكـري"، والمنتسبون لهذه القبيلة يعرفون باسم "أيسار".
قبل التعرف على عادات الاحتفال بالزواج أو"تامغرا" حري بنا إعطاء تعريف للكلمة الأمازيغية "تامغرا"، فقد سمي هذا الحدث بهذا الاسم للدلالة على النداء و الاستدعاء أو الدعوة ، فهذه الكلمة جاءت من فعل "إغرا" أي نادى و استدعى ، ومن "تامغرا" جاءت كلمة "تاغريت" أي الزغردة.
يتم الاحتفال ب"تـامغرا" في قبـيلة "إداوسـارن" على مدار أربعة أيام وكل يوم منها تحمل إسمـا وهي:
◄ "آس ن تمغرا" :
في هذا اليوم يكون فيه الاحتفال في بيت العروس أو "تاسليـت"، ففي الصباح تقوم إحدى القريبات بدعوة كـل الأهل والأحباب لحضور العرس، ويقوم أب العروس بإسناد مهمة الإشهار لـ "أبراح ن تقبيلت"، وهو الذي يصيح في أزقة الدوار أو الدواوير المجاورة إعلانا بزواج فلان من فلانة، وبعد الزوال تتجه كل نساء الدوار صوب بيت العروس حاملات معهن "تازكاوت" من القمح، وهي قفة تحمل بخيوط تسع حوالي خمسة عشرة كيلوغرامات من القمح من كل بيت كمساعدة على متطلبات العرس، فيستقبلن بالترحاب من أم العروس، وتباشر النساء بتنقية القمح من الشوائب وبطحنه وغربلته ليصنعن منه "بركوكس"، كل هده المراحل صعبة إلا أن اجتماع كل نساء الدوار وتقسيم الأعمال يسهل المأمورية، ويسمى هذا عند الأمازيغ بـ "تيويسي" بمعنى التعاون من فعل "ييوس" أي تعاون. بعد ذلك تذبح الذبائح وعادة ما تكون بقرة أو أكثر حسب إمكانيات أهل العروس، ويكون الطبخ موكولا للرجال، والذين يقومون بطهو اللحم بالبصل والفواكه الجافة والتوابل في قدر كبير يسمى "تارفاكت"، بينما تقوم النساء بإعداد الخبز أو "أغروم ن أفارنو"، وتقوم أيضا بطهو بركوكس، وعندما يأتي وقت الغداء يكون الضيوف وقد تحلقوا حول الموائد، ويتناولون اللحم في صحون مزركشة تسمى "لمترد"، ويتناولون أيضا "بركوكس" والذي في وسطه "تزلافت" من السمن والعسل. وبعد الأكل واحتساء كؤوس الشاي تتجمع النساء وسط البيت بينما يعتلي الرجال سطحه المطل على الوسط وذلك لجمع "أكريس"، وهو رزمة من الهدايـا للعرس، ويتكون من ثوب أبيض والحناء والتمر واللوز وحذاءين ومجوهرات للزيـنة وملابس أخرى، وتحمل هذه الرزمة مع العروس عند توجهها إلى بيت زوجها. ونلاحظ أن العريس لا يحضر في هذا اليوم، إنما يبقي في بيته، وهذا هو التقليد المتبع لدى القبيلة.
◄ "آس ن أبراز" :
وفـي هذا اليوم تذهب العـروس إلـى بيت زوجها، وقبل ذلك تقـوم أم العـروس بإلبـاس ابنتهـا ثوبـا أبيض والذي يشد بـ "تيزرزاي"، ويغطى وجهها بـ "لقضيب" وهو ثور أحمر مزركش بالألوان، ويغطى رأسها ببقية الثوب الأبيض، ويوضع على جبهتها نبات "لحباق" والمعروف برائحته الزكية، وأثناء ألباس العروس تقوم النساء بإنشاد شعر غنائي وهو :
" نعام اينا ماد إيي تنيت" بمعنى نعم يا أم ماذا قلت لي ؟
" أورد نكي أيللي أيغران لرزاق أيغران" ليس أنا يا ابنتي من نادى الرزق هو المنادي.
وتقوم النساء أيضا بترديد "تاسوغانت" وهو شعر غنائي بلحن وكلمات حزينة وهو:
"أيللي أيللي واد أك أور تلات" ياابنتي ياابنتي لا تبكي.
"إسول أم بابام أولا إنام" لا يزال أبوك و أمك حيين.
"أيللي أيللي واد أك أور تلات"
"إسامح أم بابام ألا إنام" سامحك أبوك و أمك.
|
|
"أعيال للي ترضيت أكم يوين" الشاب الذي تريدينه هو الآن زوجك.
تخرج من بيت أهلها وتركب الفرس مع أخيها الصغير في موكب احتفالي مهيب، وتعلوا الزغاريد و الأغاني الموكب، ومن بين هذه الأغاني الأبيات الآتية:
"تكمي ن لجواد أس أيتلي أغراس"
"إغ لان لجواد إلينت تغوسوين"
|
يصـعـد العريــس إلى سطح البيت، ويقـوم يـرمـي التـمـر واللـوز علـى من جـاؤوا مع مـوكـب الـعـروس فــرحـا وابـتـهــاج بـحـضـورهــم ومــشـاركـتـهــم لـه فــرحـه ، ويـــتسـابـق الأطــفـال بـالــتـقـاط الـتـمـر و اللــوز فـي جـو مـن الـفـرح و الـسـرور ، وتـدخـل الـعـروس إلـى بـيـت الـزوجـيـة بـالـزغـاريــد و الـغــنـاء رفـقـت الأهــل و الأحـبـاب مـن الـنـسـاء ، ويــدخـلـون إلـى بـهـو كـبـيـر وتـجـلـس الـعـروس إلـى جـانـب عـريـسـها فـي آخـره فـي جـو احـتـفـالـي ، بـيـنـمـا يـجـتـمـع الـرجـال فـي وسـط الـبـيـت لـحـضـور "أحـواش إحـاحـان" والـذي يـسـمـى بـ "أهـياض"، ويـستـمر الاحتفال إلى وقت متأخر من الليل.
◄ "آس ن إسكي" :
تستكمل مراسيم الاحتفال بالزواج في هذا اليوم وذلك في بيت الزوجية، يجتمع الحـضـور في وسط البيت ، حيث يتم وضع صحن كبـير في الوسـط و يسمـى بـ "إسـكـي" ، ويـوضع فيه السـكـر و الحنـاء و السمـن و العسل واللوز و التمر والسـواك والكحـل ويغطـى ب "لقضـيـب" ، وبمـوازاة مع الـغــنــاء و "أحـواش" يصـطـف الحــضـور أمـام "إسكــي" للتـذوق من محـتويـاتـه من العسـل واللـوز والتمر مع وضع هـدايـا فيه ، وغالبـا ما تكـون هذه الهدايـا عبـارة عن نقود . بعد الأكل يتوجه الكل إلى العروسين لتهنئتهما ويباركوا لهما الزواج.
◄ "آس ن تركا" :
بعد مرور أسبـوع على الزواج تتوجه النسـاء من أهل العروس إلى بيت الزوجية، ويخرجن العروس ويذهبن بها إلى البئر، وفي الطريق تردد النساء هذا الشعر الغنائي :
"ماني غ تلا تركا ن ومان" أين توجد ساقية المياه .
"إنغا فاد تزمرين" فالخرفان عطشى .
وبعد الوصــول إلـى المكـان المنشـود تضـع النسـاء "قصـعة" بجـانب الـبـئـر ويملأنهـا بالمـاء ، ويضعن فـي وسـط "القـصعـة" صخرة ، وتضع العـروس رجلـها اليمنــى علـى تلك الصخـرة ، ويجتمع الأطفــال حول العروس فـتقـدم لهم العروس شربة ماء من يديها من الذي يوجد في "القصعة" الواحد تلوى الآخر ، وبعد ذلك تصنع النساء "لبسـيـس"، وهو عبـارة عن طحيـن ممـزوج بالسمن والعسـل ويتم توزيعه علـى هؤلاء الأطفـال ، وبعد هذا تقوم العروس بحمل الصخرة السابقة فوق ظهرها ذاهبة بها إلى بيت زوجها، وتقوم بوضعها تحت سريرهـا، وتبقى هناك إلـى أن تلد أول مولـود وبعد ذلك تقـوم برميها، وهذه الطقس يعبر عن التبرك بتلك الصخرة لتكون سببا لجلب الأولاد.
باختصار شديد هذه هي بعض طقوس ومراسيم الاحتفال بالزواج بقبيلة "إداوسارن" الحيحية ، وما نلاحظه فيمـا سبق كثرة الطقـوس، بعضهـا يسبق الزواج وأخـرى أثنـاءه والبعض الآخر بعـده، وهذه إن يعـبر عن شيء فهـو يعبـرعن مدى قداسة هذا الربـاط لدى ساكنة قبـائل "إحـاحـان" ولدى الأمـازيغ بشكل عـام. هذا التقلـيـد يعبر عن الغنـى الثقـافي لمورثنـا بـاعتبـار تقـاليد الاحتفال بهذا الربـاط المقدس مظهر من مظـاهر هذا الغنـى. لكن مع الأسف الشديد فـإن هذه العـادات في طريقهـا للاندثـار إن لم نقـل قد اندثرت، فأغـلب الأسر في الوقت الـراهن تتجه إلـى الطـرق العصريـة الدخيـلة للاحتفـال بالزواج ، وهذا من شأنه عن يجعل كل هذه العـادات تصبح في خبر كان، وراكنة في زاوية النسيـان، وسوف لن يذكرهـا بعد ذلك أي إنسان .
⁽¹⁾ ابن خلدون: مقدمة ابن خلدون، مراجعة سهيل زكار، دار الفكر للطباعة والنشر، ط1، بيروت، 1981 ، ج 6، ص 299.
⁽²⁾ تدنست: أنظر وصف إفريقيا للحسن الوزان، دار الغرب الإسلامي، ط2، بيروت، 1983، ج1، ص 98.
⁽³⁾ المصدر نفسه، ص 94.
⁽⁴⁾ أحمد بن خالد الناصري: الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، دار الكتاب، الدار البيضاء، 1954، ج 2، ص151.
⁽⁵⁾ الحسن الوزان: المصدر السابق، ص 52.
⁽⁶⁾ المصدر نفسه، ص128- 129.
* أما فيما يخص بالعرس الحيحي كان الاعتماد على رواية أشخاص من المنطقة وهم :
- السيدة خديجة أمرير، 58 سنة، أورير، الثلاثاء 27/03/2012.
- السيدة فاطمة إزكي، 82 سنة، أورير، السبت 31/03/2012.
من إنجاز الطالب:
- حفيظ أشتكاح
HAFID ACHTAKKAH
0 التعليقات:
إرسال تعليق