فخار تمكروت...عبق الماضي ورهانات المستقبل
نبذة تاريخية عن المنطقة :
في الجنوب الشرقي للملكة و على بعد 18 كلم من مدينة زاكَورة تقع تمكَروت معقل الزاوية الناصرية إحدى أكبر زوايا المغرب على الإطلاق ، و تمكروت لفظة أمازيغية مشتقة من كلمة " أمكاورو " أي الأخير و مقابلها أمزوارو أي الأول ، إذ قيل أنها آخر مناطق درعة دخولا في الاسلام إذ كانت بها مملكة لليهود .
الزاوية الناصرية أم الزوايا المغربية دون منازع لها 366 فرعا تتوزع في ربوع اللمكلة أسسها الولي الصالح الشيخ أبي حفص عمرو بن أحمد الأنصاري { توفي عامه983 – 1010\ 1575-1602 } ، و خلفه عليها سيدي حسيان القباب و من ثم سيدي أحمد بن ابراهيم الأنصاري المولود عامه 1001 هـ - 1593 م و المتوفى سنة 1052 هـ - 1642 م، فترك وصية مقتضاها أنه يترك أمر زاوية إلى الشباب اليافع القادم إلى تمكَروت سعيا وراء تحصيل العلم و العلوم سنة 1040هـ - 1633 م . الشيخ سيدي أبو عبد الله محمد بن حسين بن ناصر بن عمر الدرعي الأغلاني المنتسبة شجرته إلى الصحابي الجليل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه و أرضاه .
و بعد تولي ابن ناصر أمر الزاوية داع صيتها في مختلف أقطاب المغرب و حج إليها الساعون إلى العلم من كل حدب و صوب ، و ابن ناصر هذا هو مؤسس الطريقة الناصرية السنية ، المنتسبة إلى الطريقة الشاذلية . و التي ميزتها الاعتدال و منهجها السنة و مرشدها المذهب المالكي الحنيف .
كان لمحمد ابن ناصر الدرعي ابنه أحمد الخليفة عدة رحلات حجازية إذ كانا مشرفين على الركب الناصري الذي ينطلق من الزاوية في اتجاه مكة المكرمة ، فكانا يقتنيان في هذه الرحلات الكثير من الكتب و يستنسخان كتبا أخرى ، مما أدى إلى تأسيس إحدى أهم الخزانات المغربية على الإطلاق و هي الخزانة الناصرية أو دار الكتب الناصرية كما كانت تسمى في الماضي إذ تضم ما يزيد عن 400 كتاب مخطوط كلها نفيسة ، من ضمنها موطأ الإمام مالك الذي جلب إليها من قرطبة .
ليس التصوف و العلم هما الشيء الوحيد الذي تشتهر به تمكَروت بل إنها تشتهر باحتوائها لمجموعة من الصناعات التقليدية التي شجعها ابن ناصر بجلبه للخياطين من فاس و النجارين و الدباغين و الفخارين من سجلماسة .
الباب الأول : فخار تمكَروت :
نبذة تاريخية عن فخار تمكَروت :
فخار تمكَروت أو الفخار الأخضر من أشهر أنواع الفخار وطنيا ، نظرا للشهرة التي اكتسبها على مر الزمن ، و التي أساسها جودته و تميزه على غيره ، أما بالنسبة لتاريخ تأسيس معمل الفخار المحلي بتمكَروت ، فإن الرواية الشفوية تشير إلى تزامن ذلك مع حدث أخر أكبر منه ، ألا و هو تأسيس الزاوي الناصرية أو أم الزوايا المغربية كما يصطلح عليها ، و التي ساد منهجها و طريقتها مغرب العصر الحديث ، حتى أنه قد انسلت من عنقودها 366 زاوية فرعية أخرى تتوزع على مختلف التراب الوطني من شمال المملكة إلى جنوبها ، خاصة إن تعلق الأمر بسوس التي تضم العدد الأكبر من فروع الزاوية ،أما بالنسبة للفخار فتفيد الرواية الشفوية على أن تأسيسها موافق لأواخر القرن السبع عشر الميلادي ، و بالتحديد عامه 1675 م ، إذ استقدمهم شيخ الزاوية الناصرية آنذاك سيدي امحمد بن ناصر الدرعي إلى تمكَروت في خطوة سعى من خلالها إلى بعث الحياة الاقتصادية للقصر و إنعاشها ، و كذا سد حاجيات المنطقة من المواد الأولية التي يحتاجها القصر من أوان فخارية و غيرها .
الوضعية الحالية لمعمل فخار تمكَروت :
إن الوضعية الحالية لفخار تمكَروت تعكس مدى سعي أرباب هذه الصنعة إلى تطويرها و إكسابها الصبغة الوطنية ، إذ يتم تسويق منتجاتها اليوم في مختلف أنحاء المملكة ، خاصة إن تعلق الأمر بمدينة مراكش ، إذ يلق هذا الفخار إقبالا كبيرا من مختلف الطبقات ، خاصة إن تعلق الأمر بالسياح الذين يجعلون من معمل الفخار و جهة أخرى بتم كروت يقصدونها لالتقاط الصور و اقتناء بعض من التحف الفنية التي ينتجها لمعمل ، إذ هي طبيعية مائة في المائة ، لا يتم استخدام مواد صناعية أو كيميائية في صناعتها ، على خلاف فخار أسفي .
مراحل إنتاج التحف الفخارية و مميزاتها :
يتميز فخار تمكَروت بلونه الأخضر الطبيعي المتميز عن غيره من الأوان الصناعية التي نجدها في كل من فخار أسفي و فاس ، أما بالنسبة للمادة الأساسية لصناعة الفخار بتمكَروت فهي طين تمكَروت الرملي الذي يضم نسبة معينة من الرمل ، و تمر الآنية في صنعها من عدة مراحل ، أولاها مرحلة تكسير الطين و تجهيزه ، و ثانيها مرحلة خلط الطين بالماء ليكون لنا خليطا متجانسا ، ثالثها تنقية المزيج من الشوائب و العوالق لكي تكون التحفة الفنية خالية من الشوائب ، ومن ثم يتم نشر الخليط في الشمس مدة تناهز ثمان ساعات لكي يكون جاهزا للاستعمال في صناعة الآنية ، و بعد صناعتها و يتم وضعها في الظل مدة 24 ساعة كي لا تتشقق بفعل الحرارة و الشمس ، و بعد مرور هذه المدة يتم وضعها في الشمس .
ثم يتم طلائها بمجموعة من المواد الطبيعية و التي على رأسها الكحل و النحاس و " الحجرة الميتة " و تسمى محليا بـ { تافزا } و الحريرة المسوسة ، و بعد طلائها بهذه المواد يتم وضعها في الفرن مدة تتراوح بين ثلاث و أربع ساعات كاملة لتخرج في الأخير على شاكلة فخار أخضر براق ، تتزين به بازارات تمكَروت و إقليم زاكَورة و مدن أخرى من بينها مدينة مراكش ، ليقتنيها سياح أجانب يجعلون منها زينة في منازلهم ، لتبعث روح الثقافة المغربية و تميزها داخل منازل غربية طالما استصغرت قيمتها .
الباب الثاني : فخار تزروت :
ينتمي قصر تزروت إلى جماعة تمكَروت التي تقع في قلب واحة فزواطة المطلة على وادي درعة ، و يعد هذا القصر من أقدم قصور فزواطة و درعة على وجه الإطلاق ، إذ تفيد الرواية الشفوية بأن هذا القصر قد عمر من لدن نسل كوش بن حام بن نوح عليه السلام منذ القرن العاشر قبل الميلاد ، و قد أشارت إليه جاك مونييه في كتابها Le Saharienne Marocain .
و قد خاض هذا القصر العديد من المعارك ضد القبائل المجاورة له خاصة قبائل آيت عطا الصنهاجيين خصوصا مع آيت يسفول ، لكنه قد تمكن من الحفاظ على وحدته .
اشتهر قصر تزروت بوحدة قبيلته التي لا زالت قائمة إلى اليوم ، كما اشتهر بمحموعة من الصناعات التي ساهمت في تسيير القصر و سد حاجياته من المواد الأولية و غيرها ، خاصة أيام الحصار الذي تطبقه عليه قبائل آت يسفول ، كالدباغة و النجارة و الحدادة ... و الفخار .
نبذة تاريخية حول فخار تزروت :
يوجد في قصر تزروت مجموعة من معامل الفخار الضاربة في القدم ، و حسبما تفيد الرواية الشفوية المحلية فإن أول فرن شيد بتزروت يرجع إلى عهد دولة الأدارسة ، إضافة إلى فرن آخر محهول تاريخ بنائه ، و فرن ثالث زامن بناؤه عودة المغفور له جلالة الملك محمد الخامس رحمه الله من المنفى كما أفاد مالك الفرن ، و هذا الأخير لازال يعمل إلى يومنا هذا .
المواد المستخدمة في صناعة الفخار و مصدرها
بالنسبة للمواد المستعملة في صناعة الفخار بتزروت فهي لا تختلف عن المواد التي يستعملها الفخارون في المناطق الأخرى ، إذ يستعمل صناع الفخار بالمنطقة الطين { الصلصال } المحلي ، الذي يتم جلبه من حقول القرية و على جنبات وادي درعة ، و يتم فيما بعد مزجه بالماء و خلطه إلى أن يكون عبارة عن " عجنة " يتم تركها في الشمس مدة معينة ليتم فيما بعد توظيفه في صناعة الأواني الفخارية المتنوعة .
أهم المنتوجات التي ينتجها معمل فخار تزروت :
هي لا تخرج في مجملها عن تلك الأواني المنزلية المختلفة و التي من ضمنها : القلل و الصحون و الكؤوس الفخارية و الخوابي المتنوعة الأحجام و التي توظف في تحزين المياه و تبرديها ، إضافة إلى المخفيات التي تخزن فيها الزيت أو التمر أو مواد أخرى ... والجرار و الزلايف { و هي أواني فخارية توظف لشرب الحساء } ... إضافة إلى منتوجات أخرى تنتج حاليا و أخرى توقف المعمل عن إنتاجها .
الوضعية الراهنة لفخار تزروت :
إن الوضعية التي يوجد عليها فخار تزروت حاليا هي وضعية مزرية مقارنة بفخار تمكَروت الذي هو في تطور مستمر ، أما بالنسبة للسبب وراء ذلك فيعود أصلا إلى عزوف الشباب المحلي عن هذه الصنعة التي كان لأجدادهم فيها باع كبير ، إذ توجه أغلب شباب الأسرة الملكة لمعمل الفخار إلى العلم في ميادين أخرى و في مدن أخرى كالدار البيضاء و مراكش و غيرها من المدن الكبرى ، كما يغيب الدعم المادي من لدن الدولة أو الجهات المعنية فيما يخص تنمية هذه الصنعة التي هي في طريقها إلى الزوال من القصر ، كما تخيب الخطة و المنهج فيما يخص الإتجار بالمنتوج و تسويقه محليا أو جهويا أو وطنيا ، فالمعمل أصبح يعمل في أيما معدودة لينتج القليل مما يحتاجه القصر من هذه المنتوجات .
إنجاز الطالبة :
الحـسـيـن الـنـاصـري
محمد الـبـوهــلالـي
0 التعليقات:
إرسال تعليق