مظاهر الاحتفال بالأعراس والزفاف بمنطقة "تنغير":
تمثل عادات وتقاليد الزواج بتنغير كرباط وعلاقة لها حمولة ثقافية واجتماعية ودينية لها طقوسها الخاصة بالجنوب الشرقي عموما وكما بالمناطق المغربية الأخرى تعطي لها التقاليد سمة مميزة تعبر عن قيم أصيلة بالمنطقة، وتضفي ظروف البيئة الطبيعية والاجتماعية التي يعيشها الإنسان في هذه الأقاليم، في ارتباط مع محيطه وخصوصيات هذه الطقوس سواء في طابعها الاحتفالي وفي الممارسات الاجتماعية المرتبطة بها سواء تعلق الأمر بالمشهد الاحتفالي أو بأنماط السلوك والعادات المتبعة، فإن الزواج كطقس من الطقوس الاجتماعية بهذا الإقليم له خصائصه التي تختزل قيم المجتمع ومكونات شخصية أبنائه التي يعبر من خلالها سكان الأقاليم الجنوبية على ذاتهم في إطار ممارسات الحياة اليومية الجارية.
في ارتباط مع المجال المدروس تكتسي الأعراس وحفلات الزفاف مناسبات أخرى ذات مهمة خاصة لما تعبر عنه من إرث ثقافي رمزي ومادي في المنطقة لإبراز ليس فقط المكانة وإمكانيات العائلة المعنية بأكملها حيث كانت هذه المناسبات تتم في ما مضى بشكل تشاركي وجماعي وباهتمام وعناية فائقة، نظرا لكونه يهم الجماعة بأكملها ليس فقط العائلة حيث يتم المشاركة في جل أطوار ومراحل الزواج بدءا بالخطوبة ثم الذبيحة، كما يتم تقديم جميع الأجهزة لأهل العروس.
وقد كانت الأعراس تبدأ خلال فصل الربيع حيث يكون الجميع قد اطمأن على مردودية السنة الفلاحية، ومباشرة بعد جمع المحاصيل الزراعية، وخلال هذه الفترة العملية يقدم أهل العريس مصحوبين بالأقارب وأهل الدوار ما اتفقوا عليه لأهل العروس ويقام حفل بالمناسبة "الذبيحة"، حيث يتم إطعام أهل الدوار وطبعا الوافدين مع أهل العريس، وبعد هذه العملية يتم الاستعداد والتحضير للعملية الموالية المتمثلة في العرس، والتي تنطلق عادة بعد يوم السوق الذي يتم من خلاله اقتناء جميع مستلزمات المناسبة لتنطلق الدعوات بشكل مباشر من قبل أب العريس، حيث يتحتم عليه أن يذهب شخصيا هو وزوجته لدعوة المدعوين لحضور المناسبة.
وقبل العرس بأيام تذهب أم العريس وبعض النساء القريبة منها لاقتناء جهاز العروس المتمثل في مختلف الألبسة من كبيرة وصغير ويكون المتاع المقدم للعروسة عبارة عن بعض الملابس:الـردي : ثـوب طويـل تلتـف بـه ويشبـه بملحـاف نسـاء الصـحراء، قميـص، منديـل الرأس، بلغة ألبسة داخلية، ... بالإضافة إلى الخاتم، أما العرس فكان يمتد مدة تحدد بحسب قدرة وإمكانيات العائلة كما أنه يتم تغطية خصائص هذه العائلة من قبل الجيران فيما يخص الأفرشة وتزيين المنزل وكذا الأواني وإمدادهم بالماء الشروب خاصة خلال سنوات الجفاف.
وفي أيام العرس يتم الاحتفال وسط منزل العريس وذلك عن طريق فرقة فلكلورية يطلق عليها "ايت العامت" الذين يقدمون مقاطع وأهازيج وأناشيد وقصائد ينظمونها بشكل عفوي وآني، ينتظمون على شكل خط مستقيم وسط فضاء المنزل، ومن خلال هذه القصائد نقف على اهتمامات وانشغالات الإنسان التنغيري، في علاقته مع واقعه وكيفية تمثله له، والى جانب ذلك فهي لا تخلوا من فخر وإشادة بالدوار و رجاله وبالقبيلة ككل إضافة إلى العريس وأهله، نسبة إلى أخلاقه وكثيرا ما يطغى عليه جانب الغزل والتغني بالنساء، وينضاف إلى هذه المجموعة حتى الهواة من أهل الدوار والحاضرين وحيث تنتفي كل الحواجز، فالأب يلعب ويغني إلى جانب ابنه ويدخل الكل فيما يمكن أن نسميه بجذبة جماعية حيث الكل يتحرك في انسجام تام مع الدفوف وضربات المقص والمزامير إنه"أحيدوس"، وبعد ذلك يتم تفريق المجموعة إلى صنفين أو صفين متقابلين وكل منهما يبدأ في هجاء الآخر، كل ذلك يثير شوق وإعجاب المتفرجين والحاضرين بالرغم من كونه يتجه عادة إلى ذكر نقائص ومثالب الآخرين، إلا أنه لا يخرج عن الصواب والآداب العامة، بعد ذلك وفي فترة متأخرة من الليل يتم تقديم العريس بشكل جماعي يشارك فيه الرجال والنساء، يؤدون وراءه بعض الأهازيج وزغاريد النساء، يقتادونه إلى وسط البيت على أساس أن يتم نقله هو وأحد أقربائه من النساء إلى بيت العروس للإتيان بها إلى البيت الزوجية. وتقتضي العادة هنا أن تقوم العروسة على متن حصان أو بغل بجولة داخل القصر إلى أن تصل إلى" للاالعتبة" حيث تضربها بسيف ضربة واحدة، ويعود بها إلى دار عريسها بعد الطواف ثلاث مرات بالمسجد في الثلث الأخير من الليل.وفي حالة طلاقها، يكون العوض المقدم لها ربع "رطل" من الصوف وغالبا تزهد المطلقة من أخذ نفقات الأطفال، ويكون الإشهاد على الزواج أو الطلاق بحضور الشيخ أو الفقيه .
من خلال ما سبق نلاحظ كيف أن الاحتفال بالأعراس كان يستدعي مساهمة مختلف مكونات الدوار، وكيف أن الكل كان يجد نفسه مشاركا في العملية سواء على مستوى اختيار العروس والمصاهرة المناسبة أو على مستوى الاحتفال. لقد كانت الأعراس تمثل فرص حقيقية للتجانس بين الأفراد وإعادة إحياء نفس القيم والعلاقات، كما كانت الأعراس تضفي صبغة خاصة عن المجال القروي وتساهم بشكل كبير في إخراجه من رتابته وروتينية العيش فيه، وهي مناسبة كذالك لكي يحافظ ويجدد إرثه الثقافي.
خلاصة القول فحفلات الزواج بالأقاليم الجنوبية مناسبة يعلو فيها الوجدان عن متطلبات الحياة المادية وينطلق خارج حدود الزمان والمكان ليختزل علاقات إنسانية تقوم على أسس من ثمار الفكر الحضري للأمة المغربية، في غنى تقاليدها وتنوعها من منطقة لأخرى بكل خصوصياتها ومميزات طقوسها.
0 التعليقات:
إرسال تعليق