رقصة (( الكدرة )) في صحراء المغرب ينسجم و بطلاها (( النكار )) .. فيها الصوت و الحركة و (( الركاصة )), جذورها افريقية وصيتها ارتبط بمنطقة وادي نون و تسميتها جاءت من الإناء المستدير.
تعرف رقصة (( الكدرة )) انتشارا واسعا بين سكان منطقة واسعة من جنوب المغرب تمتد من تيسنيت بطاطا إلى حدود الساقية الحمراء, الا ان صيتها ارتبط بمنطقة وادي نون الواقعة باقصى الجنوب الغربي للاطلس الصغير. و تعد هذه الرقصة ذات الجذور الإفريقية من أشهر الفنون الإيقاعية التي (( ينسجم فيها الصوت و الحركة و ينجو قيها الأداء نحو العرض الجماعي الذي يقوم على الاستجابة للغناء و الرقص . و قد وصف الرحالة الانجليزي جاكسون على مشهي من مشاهيها عندما زار المغرب في نهاية القرن الثامن عشر, فوصفها قائلا : تقوم الفتيات المغربيات بالرقص بطريقة بارعة جدا خصوصا نساء قبيلتي ((مغافرة)) ((اولا بوسبع)) العربيتين و إذ جرأتني أمضيت ليلة في ديارهم على طرف الصحراء عندما أرسل الشيخ طلب ست فتيات ممشوقات شغلن إعجابنا حتي الصباح و هن يقمن بحركات تبدو ماجية غير أن تقاليد و عادات أهل البلد تستسيغ هذه الحركات و استمدت رقصة ((الكدرة)) تسميتها٬ حسب العديد من الباحثين، من الإناء المستدير الذي يستعمل أداة موسيقية في هذه الرقصة، و هو عبارة عن جرة من الطين تغلق فوهتها بقطعة من الجليد، و على إيقاع معين يتم الضرب عليها بواسطة قضيبين يطلق عليهما محليا اسم (المغازل) فيحدث ذلك إيقاعا موسيقيا متناغما تواكبه عملية تصفيق مستمرة. و تبدأ رقصة ((الكدرة)) بتشكيل حلقة دائرية يتوسطها رجل يسمى ((النكار)) يتولى مهمة ((الكدرة)) لإحداث الإيقاع المطلوب الضرب على الأداة الموسيقية كما يضطلع بمهمة توجيه باقي افراد المجموعة و إثارة انتباههم إلى الخلل الذي قد يحدث أثناء عملية الانشاد و قد تضيق الحلقة الدائرية او ((الكارة)) التي يتمركز بها ((النكار)) مثلما قد تتسع و ذلك حسب عدد المشاركين في الأداة و تمثل الراقصة او الجماعي المميز لهذه الرقصة الشعبية ((الركاصة)) بالتعبير المحلي في هذا المشهد الاحتفالي عنصرا اساسيا إذ تتكلف سيدة ( خادم او معلمة ) بإحضارها بعد إعدادها و حثها بعدم فتح أعينها سوى بالقدر الذي يمكنها من رؤية ما بحولها، ثم تبدأ في عملية الرقص و هي في حركة مستمرة داخل الدائرة معتمدة في ذلك على ركبتيها في حين يظل باقي أفراد المجموعة في أماكنهم و يتدافعون بأكتافهم يمينا و يسارا فيما يعرف ب ( التداويح) و ذلك حسب تحرك الراقصة نحوهم التي تقوم بتحريك الأصابع و تقليب الكفين، أما (النكار) فتفرض الرقصة عليه التحرك وسط الدائرة لكن بهدوء لكي يظل مقابلا للراقصة ولآلته الموسيقية
و تستغرق الرقصة مجموعة من الجولات الإيقاعية، و كل جولة تمثل إنشاد ثلاث حمايات وفق إيقاع لحني يبدأ انفراديا و يتصاعد لينخرط في أدائه باقي أفراد المجموعة٬ و قد يطول إنشاد الحماية أو يقصر حسب قدرة الراقصة على الاستمرار في الرقص.
و تختتم كل جولة بعملية (أهوتش) و هي تعبير عن بلوغ جولة الرقص مداها النهائي
و يجمع معظم الباحثين في التراث الحساني على أن (الحمايات) التي يتم ترديدها أثناء عملية الرقص يغلب عليها طابع الغزل و غالبا ما تكون الراقصة هي المعنية بهذا الموضوع لمناجاتها.
و يرى عدد من الباحثين أن رقصة (الكدرة) لا تقتصر على المظهر الاحتفالي بل تختزل في عمقها تجليات مرتبطة بالتصوف.
وفي هذا السياق٬ يرى إبراهيم الحسين، الباحث في التراث الحمايات التي يتم خلالها ترديد مجموعة (الشعبي الحساني) أن من الادعية و الأهازيج الشجية والتي تملأ النفس بمواجيد الحماس و الشعور بالروح الجماعية ضمن أنساق مقاميه متواترة الرجات و الإيقاعات، تحفل بمفاهيم و معان دينية يراد منها طلب العفو و المغفرة من الله ليقيهم شر العقاب من نار جهنم. و أضاف الحسيني في تصريح لوكالة الانباء المغربية، أن الراقصة في هذا الفن الإبداعي ترسم بجسدها نوعا من الوجد الصوفي يساعدها في ذلك الحركة و الصوت باعتبارهما عنصرين أساسيين لوصول حالة الوجد و بلوغ الحقيقة الإلهية حيث تفقد (اي الراقصة) إحساسها بالعالم المادي و تنسى جسدها الذي لم يعد ملكا لها لتنخرط في عالم روحاني غامض يصعب فهمه و تفسيره في الكثير من الأحيان.
(الكدرة) التي تختزل ثقافة الإنسان الصحراوي و تظل رقصة في تقاطعها مع ثقافات اخرى مجاورة معرضة للاندثار و الزوال و ذلك في غياب مهرجان دائم و مستمر يحافظ عليها، و انعدام الحوافز لتشجيع من يترنمون بها سيما أنها أصبحت من وسائل الطرب النادرة في المجتمع الصحراوي المغربي..
من انجاز:
abdellah berghaz
0 التعليقات:
إرسال تعليق