ظاهرة ثراتية بزاكورة

ظاهرة ثراتية بزاكورة  

   نعلم أن لكل مجتمع تقاليده وعاداته  الخاصة تميزه عن باقي المجتمعات. فمنطقة تعقيلت لها عاداتها وتقاليدها الخاصة التي تعتبر من بين الموروثات التي خلفها الأجداد ,منها مازال قائم كما هو وأخر شابه نوع من التغير سواء بالزيادة أو النقصان ,لكن مع كامل الأسف أن أغلب هذه العادات أو جملة منها اختفت بشكل نهائي .

تعد تعقيلت من أهم المناطق الجنوبية الشرقية من المملكة المغربية التي احتفظت بالقليل من ثراتها الثقافي ,حيت نجد ذلك من خلال التنوع الإثني الذي يتجلى في المواسم والمراسيم التي يحتفي بها داخل هذه المنطقة .

جغرافيا تقع في الضفة اليسري لنهر وادي درعة ,حيت تطل على واحة النخيل ووادي درعة من الجهة الغربية ,وفي الجهة الجنوبية يحدها دوار إفريون وتمسلا ,وشمالا نجد دوار الموضع وتملا لت ,وأخير يحدها من الشرق  جبل كيسان .وتجاور تعقيلت عدد كبير من القبائل والدواوير التي تحويها الجماعة القروية أولاد يحي لكراير التي تنتمي إلى ما يدعى بإقليم زاكورة.

تاريخيا بالنبش في الذاكرة التعقلية تحكي الرواية الشفوية خصوصا الشيوخ من أمثال الحاج علي رحمه الله ,الحاج بوجمعة ,أو العجائز منهم الحاجة عائشة وآخرون .سميت بهذا الاسم نسبة لأمراة تسمى عقيلة التي لعبت عدة أدوار منها: الجهاد لمحاربة الأعداء ثم العمل في الحقول ورعي الغنم....و في تلك الفترة إضافة إلى ذلك كانت ولازالت  تضم تنوعا إثنيا يتكون من العرب والامازيغ , الحراطين ثم العبيد....ويرجع أصل الأمازيغ بهاته المنطقة إلى الذين نزحوا من قبائل ايت عطا والفكارة ....و كان الهدف من هذا النزوح نحو درعة وخاصة الإستقرار بتعقيلت هو إحلال السلام والدفاع عن المضطهدين من سكان ,وذلك بالوقوف سدا منعا أمام القايد العرابي بن عثمان الذي طغي و تجبر على سكان المنطقة بالسلب والنهب واغتصاب الأراضي وتهجير السكان لسنوات وسنوات عديدة منهم من هاجر إلى تملالت ونخص بالذكر ايت عنابة واخرون فضلوا الهروب إلى الرباط وباقي المدن الكبرى وايت البوعصامي إلى إيرشك والبعض الاخر اختفى إلى يومنا هذا .

من أهم فخدات المنطقة :

ايت عنابة,ايت البوعصامي ,ايت سيقدير,ايت جبور ,ايت بن الشافعي,ايت لغبالي ايت سي دو ........., وسنتحدت في هذا المقال عن ظاهرة العرس بتعقيلت الذي يعتبر من أهم ما احتفظ عليه الأجداد للأحفاد. إدن كيف  يتم التهيئ للعرس بهذه المنطقة وما خصائصه ومميزاته؟.

   بعد الخطبة بأسابيع أو شهور يبدأ العد التنازلي لعقد القران بين الخطيبة و خطيبها, فأول ما يبدأ به العريس هو تهيئة بيت الزوجية وذلك حسب استطاعته المادية ,ثم بعد ذلك يتم اقتناء الذبيحة و عادة ما يلجأ سكان المنطقة لشراء الأبقار بسبب انخفاض أثمانها .وغالبا ما يبدأ العرس عشية يوم الجمعة وذلك للاعتبارات عديدة منها أنها تشرف على عطلة نهاية الأسبوع ,ثم استغلال أهل العرس لصلاة الجمعة لدعوة رجال سكان القبيلة للحضور إلى الذبيحة .ومن المعتاد أن يسبق الصدى يوم العرس حيث ينتشر هذا الخبر بين أرجاء و أبناء الدوار و الدواوير المجاورة له .حتى تكاد لا تسمع بين الأزقة ومجامع  النساء سوى أن فلان سيذبح يوم كذا.                     

   وفي العشية المعتادة والمتفق عليها بين ذوي العريسين يحضر الأقارب من أجل الوقوف على الذبيحة التي يكلف بها شخص مختص يتجمهر حوله الرجال والنساء وكذا الأطفال مرددين أهازيج (صلا وسلام عليك يارسول الله ....) وزغاريد تنبئ ببداية الاحتفال ؛ دقائق معدودة ينتهي الجزار من ذبح البقرة لينفض من حوله الناس ويبدأ التهيئ لوجبة العشاء التي يطهى فيه رأس الذبيحة إيمانا واعتقادا من الأجداد برفع رأس العريس و أهله أمام الأقارب والأقران.

    لعل من عايش وساير عرس المنطقة المحلي يضع نصب عينيه سلسلة من علامات التعجب و الاستفهام فحواها كيف و لماذا يدوم هذا الفرح مدة قد تتجاوز العشرة أيام. يقدم فيها صاحب العرس كل ما لذ وطاب لضيوفه ولكن القاعدة العامة أن كل الموائد لا تخلو من لحم البقر ولا يعلو أي صوت فوق كلمات" الركبة " داخل أرجاء المنزل.

  يتميز العرس بدوار تعقيلت بخصائص لاتختلف عن العرس الزاكوري ,حيث تقدم وجبة الفطور من المعجنات (الشعرية ,أرز...) صبيحة اليوم الثاني مسبوقة بكؤوس من القهوة والحلويات. وفي الزوال تتقاطر عائلات الأقارب البعيدة و سكان القبيلة مرفوقين بالهدايا والتي تتكون من الأكباش والمواد الغذائية الأساسية من زيت ,سكر ,دقيق ...ولا تسمع حينئذ سوى  رنين أجراس السيارات وبعض الانشودات المعتاد ة مثل "الهدية يا لآلة الهدية ليك جايا " ويستقبلهم أهل العريس بابتسامة صادقة و كلمات معبرة  "مرحبا بكم "ويستمر الاحتفال طوال اليوم  .إذ تجد النساء والفتيات يحتفلن بمعزل عن الرجال وبعيدا عن الاختلاط المألوف لدى سكان المدينة ورغم ذلك نحس بذلك التآخي و السواسية بين الرجل و المرأة .

  وفي نفس اليوم يحضر أهل  القبيلة أو الدوار بشكل رسمي حيت يدعون لوجبة الغذاء أعد فيها طجين البكري و البرقوق المجفف  مسبوقا قبل ذلك بالكبد المشوي "بولفاف" و بعض الحلويات و الكاوكاو .بعد انتهاء  وجبة الغداء ويستعد الحاضرون للمغادرة يقول لهم صاحب العرس (رجعو ورا العاصر الله يرحم الولدين),وهذه من عادة أجدادنا  فيرجع الضيوف بعد الصلاة ليجدوا بانتظارهم أطباق الكسكس أو السفة التي بدأت تأخذ مكان الكسكس في الآونة الآخرة .

   في اليوم الثالث تتم دعوة الأصدقاء والأجانب من الدواوير المجاورة ويسمى هؤلاء المدعوون بالبرانى. ومسايرة لأيام الاحتفال تبقى الركبة طاغية في كل ليلة يلعب فيها أبناء الدوار حتى الصباح.

•        خاصية وميزة العريس(مولاي السلطان)

   يطلق عليه أيضا مولاي السلطان ,وهو الشخص الذي أقيم العرس على شرفه إذ يحضى بمكانة مرموقة بين العائلة .استعدادا لليلة الزفاف (الرواح) وهي التي ينتظرها العريس بفارغ الصبر للقاء شريكة حياته ,وهو في أبهى مظاهره وأجمل صوره ؛ يرتدي ثيابه الجديدة المتكونة من جلباب بيضاء وبلغة صفراء أو بيضاء وسلهام أسود ,ولكن البعض يضع "كمية " على كتفيه اعتقادا منه باستعداده لتضحية من أجل زوجته وأولاده, وكذلك من أجل اجتناب العين والسحر وهذا ما نجد ه أيضا عند بعض الدواوير  .

خاصية وميزة العروس

                                       

                 

                 

      قبل يومين من ليلة الزفاف (الدخلة) تدعو العروس صديقاتها لحفلة خاصة تستقبل خلالها مختلف الهدايا والعطايا منها:المجوهرات,الحناء,الملابس.. ..... وتتميز العروس في هذا اليوم بخضب يديها ورجليها  وشعرها بالحناء وارتداء زي أبيض مرصع بحلي تقليدية (الخلالة ,دملج فضي ,اللبان....).وبعد هذا تخرج العروس من منزل عائلتها على متن سيارة خاصة تجوب شوارع و أزقة الدوار في موكب حافل بالزغاريد و الأهازيج, بالإضافة إلى موكب خاص بأثاث بيتها و ما تسلمته من هدايا وعطايا في اتجاه بيت زوجها.حيث تكون  رفقة عائلتها وبصحبة أشخاص من طرف العريس . بعد وصولها إلى بيت العريس تستقبلها نساء القبيلة بالزغاريد والترحاب تعبيرا عن الفرح بقدومها؛بعد نزولها من السيارة تقدم لها أم العريس الحليب و التمر تعبيرا عن المحبة, ثم تمسح رأسها بالحناء اعتقادا منها بأن تكون حنونة مع عائلتها الجديدة,عندئذ تلج العروس غرفة زوجها المهيأة لها بانتظار دخول العريس.

•        .تعريف ليلة الزفاف(الدخلة)

    ليلة الدخول والبناء بالزوجة هي ليلة ينبغي أن يغلبها أسلوب الملاطفة والأُنس والتودد والبهجة، يمد فيها الزوج حبل المودة والمحبة ليصله بزوجه، فيذهب عنها الروع والرهبة، وتسكن نفسها إليه. وفيما يلي آداب هذه الليلة :

   - أن يكون الزوج حسن النية

   - التجمل وأخذ الزينة  .

   - ملاطفة الزوجة عند الدخول بها  

   - الصلاة.

      في اليوم السابع ويصطلح عليه بيوم الحزام يستيقظ العريس فجرا يصلي ويتوجه رفقة أصدقائه إلى الحقول يحضر شوكا أخضرا من النخيل ويحضر معه فاكهة الموسم الموجودة ونبات أخضر وتمر.عند عودته وبحضور العائلة ترتدي العروس إزارا ابيضا ويشبكه العريس بالشوك الأخضر الذي أحضره من النخيل, وتضع الزوجة حزاما على ملابسها إيذانا ببدء حياة زوجية حقيقية وسط أهازيج الحاضرين وتقوم بجولة رفقتهم في أنحاء البيت وتتعرف على مسؤوليتها وتساهم بشكل رمزي في ألأشغال المنزلية وسط زغاريد الحاضرين .
في مساء نفس اليوم تجلس العروس وسط الضيوف من النساء يمشطون شعرها بالزعفران وماء الورد, ويغطونها بازار ابيض ويصعد زوجها للسطح المطل على مكان تواجدهم ويرمي على الجمع الفواكه التي أحضرها صباحا والمكسرات والحلويات والتمر كناية عن الرزق الذي يتمنى أن يفيض عليهم وسط زغاريد الحاضرات .لتقوم العروس وسط دعوات الحضور بدوام الأفراح ومع تمنياتهم للعروسين بالرفاء والبنين وهكذا ينتهي العرس بشكل كلي وتخلع العروس لقب عروس لتحمل لقب زوجة في انتظار لقب الأم في قادم الأيام.لاشك أن لكل منطقة فلكلور خاص ,فكيف تعتبر الركبة سيدة الفلكلور بالمنطقة ؟ وما دلالة كلماتها ؟

     ذكرنا أنفا بأن المنطقة تزخر بهذه الرقصة ,حيث يتقنها الرجال والنساء منعزلين فيما بينهم ,كما يؤديها بعض الأطفال المولعين بها.

والركبة رقصة تتكون في الغالب من صفين من الرجال يجمعهم لباس موحد وهو الجلباب البيضاء وينتعلون بلغة صفراء مزينين صدورهم بخناجر رمزية؛ يتوسط الصفين رجل يتقن الضرب على الطبل ويساير الإيقاع المتذبذب بين السرعة والبطء.

.دلالات العبارات

   تتشعب مواضيع الركبة بين المدح, الهجاء, الرثاء, الفخر...إلى غير ذلك من الأغراض.ونذكر على سبيل الذكر لا الحصر:

قلبي متهول على لحبيب يسول       كيف لبحر يتقلب بالموجات

وسير ياولد الحمام طير وعلي    وشوف فين كاين رايس البنات

ورايس البنات فوق منزه عالي           والورد و الشجر مفتح بنبات

بنبات

الردمة:

يا لغادي ودي سلامنا لوداد

                              قولوعلى المعنويات إلى يوصلوا لرايس البنات 

.شرح الأبيات الأولى:تباين مدى شوق وحنين العريس لمحبوبته ,وذكر بعض الخصائص والمميزات .

.البيت الثاني:التغني بجمال الزوجة وذلك من خلال بعض المواصفات.

. :المدح.

            يا يمام الخلافا صلى الله عليك يا يمام الخلافا

           ذبب حملي ليطيح في رق الحافا

          فعايلي شينين   خايف منهم نتحافا

الردمة :

داخل حرمة رسول جد الشورافي

. شرح الأبيات :مدح الرسول صلى الله عليه وسلم  ,وطلب الهدي و الابتعاد عن الضلال.

وظائف العرس

.الوظيفة الاجتماعية:

    وتضفي ظروف البيئة الطبيعية والاجتماعية التي يعيشها الإنسان في هذه المنطقة، في ارتباط مع محيطه، حيت نجد هذا الدوار له خصوصيات تتمتل في طابعها الاحتفالي أو في الممارسات الاجتماعية المرتبطة بها سواء تعلق الأمر بالمشهد الاحتفالي أو بأنماط السلوك والعادات المتبعة، فإن الزواج كطقس من الطقوس الاجتماعية  بدوار تعقيلت له خصائصه التي تختزل قيم المجتمع ومكونات شخصية أبنائه التي يعبر من خلالها سكان إقليم زاكورة عن ذاتهم في إطار ممارسات الحياة اليومية الجارية. . وترتبط طقوس الزواج بالمنطقة بالنظام القيمي المرتكز على تعاليم الدين الإسلامي الحنيف في إطار نسق يرسم مراجع الهوية الشخصية التي تقوم على العفة والكرامة والحشمة والوقار ومكارم الأخلاق. وانطلاقا من هذه الخصال والمزايا تبدأ الخطوة الأولى من الزواج بالاتفاق الذي يحصل بين الآباء أو كبار السن من القبيلة أو القبيلتين، بعد اختيار العريس لشريكة حياته المستقبلية، وهو اختيار تلعب فيه النساء المتزوجات عادة الدور المحوري.

الوظيفة الترفيهية.

     تتجلى هذه الوظيفة في ذلك الطابع الترفيهي المتمثل في فن الركبة التي أصبحت معروفة على الصعيد الوطني, إذ يبتهج بها الصغير والكبير, الرجال والنساء.زيادة على ذلك يحيي العريسين أمسيات احتفالية تمزج فيها الموسيقى الشعبية والمحلية, مما يغمر بيت العرس بهجة وسرورا.

ولاننسى ذلك الدور الذي يلعبه سكان القبيلة في الترفيه عن عائلة العريس من خلال تلك الهدايا والعطايا المقدمة لهم.

       خلاصة القول يرتبط الزواج في المغرب بمجموعة من العادات والتقاليد التي تختلف من منطقة إلى أخرى، فقد تتشابه بين بعض المناطق وتختلف بين عدد منها، و عليه نجد مثلا العرس بدوار تعقيلت  يختلف عن العرس في باقي المناطق الجنوبية.إلا أن القاسم المشترك بين جل المناطق المغربية هو الحفاظ على ذلك الإرث التقليدي والكلاسيكي في حفلات أعراسهم أو غيرها من المواسم.

         من إعداد الطالب: عبدالعزيز خيحماني